منتدى الحياة الموصلية



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدى الحياة الموصلية

منتدى الحياة الموصلية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى الحياة الموصلية

منتدى ( ادبي - علمي - ثقافي - رياضي )


    قصيدة وشاعر

    ليث السبعاوي
    ليث السبعاوي
    مشرف مساعد
    مشرف مساعد


    عدد المساهمات : 16
    نقاط : 48
    تاريخ التسجيل : 24/03/2011
    الموقع : laithar90@yahoo.com

    قصيدة وشاعر Empty قصيدة وشاعر

    مُساهمة من طرف ليث السبعاوي الجمعة أبريل 08, 2011 3:06 am

    قصيدة وشاعر
    (أبو العتــــاهية)

    قَطَّعـــتُ مِنكَ حَبائِلَ الآمالِ وَحَطَــطتُ عَن ظَهرِ المَطِيِّ رِحالي
    وَيَئِستُ أَن أَبقى لِشَيءٍ نِلتُ مِمـ ـما فيكِ يا دُنيا وَأَن يَبقى لي
    وَوَجَدتُ بَردَ اليَأسِ بَينَ جَوانِحي وَأَرَحتُ مِن حَلّي وَمِن تَرحالي
    الآنَ يا دُنيا عَرَفتــــُكِ فَاِذهَبي يا دارَ كُلِّ تَشــــَتُّتٍ وَزَوالِ
    وَالآنَ صارَ لي الزَمانُ مُؤَدَّباً فَغَدا عَلَيَّ وَراحَ بِالأَمثالِ
    وَالآنَ أَبصَرتُ السَبيلَ إِلى الهُدى وَتَفَرَّغَت هِمَمي عَنِ الأَشغالِ
    وَلَقَد أَقامَ لِيَ المَشيبُ نُعاتَهُ يُفضي إِلَيَّ بِمَفرَقٍ وَقَذالِ
    وَلَقَد رَأَيتُ المَوتَ يَبرُقُ سَيفُهُ بِيَدِ المَنِيَّةِ حَيثُ كُنتُ حِيالي
    وَلَقَد رَأَيتُ عَلى الفَناءِ أَدِلَّةً فيما تَنَكَّرَ مِن تَصَرُّفِ حالي
    ........................
    وَإِذا تَناسَبَتِ الرِجالُ فَما أَرى نَسَباً يُقاسُ بِصالِحِ الأَعمالِ
    وَإِذا بَحَثتُ عَنِ التَقِيِّ وَجَدتُهُ رَجُلاً يُصَدِّقُ قَولَهُ بِفِعالِ
    عَلى التَقِيِّ إِذا تَرَسَّخَ في التُقى تاجانِ تاجُ سَكينَةٍ وَجَلالِ
    يَبلى الجَديدُ وَأَنتَ في تَجديدِهِ وَجَميعُ ما جَدَّدتَ مِنهُ فَبالِ
    ............................
    لِلَّهِ يَومٌ تَقشَعِرُّ جُلودُهُم وَتَشيبُ مِنهُ ذَوائِبُ الأَطفالِ
    يَومُ النَوازِلِ وَالزَلازِلِ وَالحَوا مِلِ فيهِ إِذ يَقذِفنَ بِالأَحمالِ

    يَومُ التَغابُنِ وَالتَبايُنِ وَالتَوا زُنِ وَالأُمورِ عَظيمَةِ الأَهوالِ
    يَومٌ يُنادى فيهِ كُلُّ مُضَلِّلٍ بُمُقَطَّعاتِ النارِ وَالأَغلالِ
    لِلمُتَّقينَ هُناكَ نُزلُ كَرامَةٍ عَلَتِ الوُجوهَ بِنَضرَةٍ وَجَمالِ
    نَزَلوا بِأَكرَمِ سَيِّدٍ فَأَظَلَّهُم في دارِ مُلكِ جَلالَةٍ وَظِلالِ
    ........................................

    * تعريف بالشاعر :
    أبو العتاهية هو إسماعيل بن القاسم ، ولد في عين تمر سنة 130هـ ثم انتقل إلى الكوفة، كان بائعا للجرار ، مال إلى العلم والأدب ونظم الشعر حتى نبغ فيه، ثم انتقل إلى بغداد واتصل بالخلفاء فمدح المهدي والهادي والرشيد.
    وأبو العتاهية كنية غلبت عليه لما عرف به في شبابه من مجون ولكنه كف عن حياة اللهو والمجون ، ومال إلى التنسك والزهد وانصرف إلى عن ملذات الحياة وشغل بخواطر الموت، ودعا الناس إلى التزود من دار الفناء إلى دار البقاء، اختلف في سنة وفاته فقيل سنة 213 هـ .
    ومن أخبار أبي العتاهية التي أوردها صاحب الأغاني ..
    - بخله:
    كان لأبي العتاهية جار يلتقط النوى ضعيف سيء الحال متجمل عليه ثياب فكان يمر بأبي العتاهية طرفي النهار؛ فيقول أبو العتاهية: اللهم أغنه عما هو بسبيله، شيخ ضعيف سيء الحال عليه ثياب متجمل، اللهم أعنه، اصنع له، بارك فيه. فبقي على هذا إلى أن مات الشيخ نحواً من عشرين سنة. و والله إن تصدق عليه بدرهم ولا دانق قط، وما زاد على الدعاء شيئاً. فقلت له يوماً: يا أبا إسحاق إني أراك تكثر الدعاء لهذا الشيخ وتزعم أنه فقير مقل، فلم لا تتصدق عليه بشيء؟ فقال: أخشى أن يعتاد الصدقة، والصدقة آخر كسب العيد، وإن في الدعاء لخيراً كثيرا.
    - سئل عن أحكم شعره فأجاب :
    ( أخبرني عيسى بن الحسين الوراق قال حدثنا الزبير بن بكار قال: قال سليمان بن أبي شيخ قلت لأبي العتاهية : أي شعر قلته أحكم؟ ، قال قولي :
    علمت يا مجاشع بن مسعدة أن الشباب والفراغ والجدة
    مفسدة للمرء أي مفسدة )
    ¬- بَرَمه بالناس وذمهم في شعره :


    (أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه عن روح بن الفرج قال: شاور رجل أبا العتاهية فيما ينقشه على خاتمه؛ فقال: انقش عليه: لعنة الله على لناس: وأنشد :
    برمت بالناس وأخلاقهم فصرت استأنس بالوحدة
    ما أكثر الناس لعمري وما أقلهم في حاصل العدة)
    - قدرته على ارتجال الشعر:
    (أخبرني يحيى بن علي إجازة قال حدثني علي بن مهدي قال حدثني محمد بن يحيى قال حدثني عبد الله بن الحسن قال: جاءني أبو العتاهية وأنا في الديوان فجلس إلي. فقلت: يا أبا إسحاق، أما يصعب عليك شيء من الألفاظ فتحتاج فيه إلى استعمال الغريب كما يحتاج إليه سائر من يقول الشعر، أو إلى ألفاظ مستكرهة؟ قال لا. فقلت له: إني لأحسب ذلك من كثرة ركوبك القوافي السهلة. قال: فاعرض علي ما شئت من القوافي الصعبة. فقلت: قل
    أبياتاً على مثل البلاغ. فقال نم ساعته:
    أي عيش يكون أبلغ من عيـ ــش كفاف قوت بقدر البلاغ
    صاحب البغي ليس يسلم منه وعلى نفسه بغي كل باغي
    رب ذي نعمة تعرض منها حائل بينه وبين المساغ
    أبلغ الدهر في مواعظه بل زاد فيهن لي على الإبلاغ
    غبنتني الأيام عقلي ومالي وشبابي وصحتي وفراغي)
    * تيار الزهد :
    فاض العصر العباسي بمظاهر الترف والبذخ وآثار النعيم ، وأتاح الغنى للناس أن يُفتَنوا في حياتهم فبنيت القصور وكثرت الجواري ومجالس الغناء والطرب وغمرت الحياة ألوان من المجون واللهو وانغمس بعض الشعراء في هذه الحياة اللاهية العابثة.
    لذا فقد هال بعض الشعراء ما وصلت إليه من تهتك وفجور، فتابوا إلى الله ورجعوا عما هم فيه من غي وضلال وزهدوا في أسباب النعيم وأخذوا يدعون الناس بشعرهم إلى الانصراف عن الملذات والعودة إلى حمى الدين والزهد في الدنيا ومتاعها الزائل.
    وقد عرف الشعر العربي بعض أشكال الزهد قبل العصر العباسي ، فقد وجدت بوادره عند بعض الشعراء الجاهليين كزهير بن أبي سلمى ولبيد بن ربيعة ، وعندما جاء الإسلام تأثر الشعر بما دعا إليه القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة من عدم المبالغ في حب الدنيا وتذكر الموت واليوم الآخر ، إلى أن شعر الزهد هو وليد العصر العباسي لما عرفه هذا العصر من حركة زهد قوية جاءت ردا على ظاهرة المجون والزندقة التي انتشرت ، ومن أبرز شعرائها وروادها في العصر العباسي أبو العتاهية.
    * دراسة في القصيدة :
    - إن الأفكار في القصيدة واضحة سهلة خالية من العمق والتعقيد المعنوي وهي أقرب ما تكون إلى الوعظ والإرشاد، يعبر فيها عن زهده في الدنيا وتخليه عن التعلق بالآمال الخادعة وأن القيمة الحقيقية للإنسان في الحياة مرتبطة الصالح.
    أما العاطفة فهي عاطفة يأس من الحياة وزهد في الدنيا والخوف من الموت والإيمان بالنهاية المحتومة.
    ابتدأ أبو العتاهية بالفعل الماضي ( قطّعتُ) ، ليوحي بأنه قد قطع حبائل الآمال من الدنيا ، وجاءت الصيغة مضعفة على وزن فعّلتُ الذي أعطى المبالغة أثناء القيام بفعل التقطيع.
    إن فكرة المقطع الأول تدور حول التجرد الكامل من الدنيا بعد أن ألقت آثارها على الشاعر (الزمان مؤدبا ً، المشيب) ، لذا كان استخدام الفعل الماضي فيه (قطّعتُ، حططت، يئست، رأيت، أبصرت، صار) تأكيدا لهذه الآثار ، وجاء تكرار (الآن) ليخدم الفكرة ذاتها أيضا فيضعَ أبا العتاهية أمام واقعه الحالي، فهاهو قد عرف حقيقة الدنيا لذا سكن قلقه فأحسً بـ (برد اليأس) وتفرغت هممه عن الأشغال، وقد أكد فكرة اقتراب الموت في تكراره للقسم في (لقد).
    إن إحساسه بكل هذا جاء متأخرا لأن الشيب ينعى موته، ذلك الموت الذي يراه جلادا قاسي القلب يمسك السيف وينتظره.
    فقد كره الشاعر الدنيا فهي دار فناء وتعب لذا حين نداها (يا دنيا) مستخدما (يا) أداة النداء للبعيد لأنه أراد مباعدتها حتى لا تفقده تلك الراحة (برد اليأس)، فقد شغلته الدنيا عن (السبيل إلى الهدى) وأعمت بصيرته عنه لذا أمرها بالذهاب (اذهبي) فقد أبصر هذا السبيل الذي أنار دربه، وما عاد هناك مجال لتراجعه فالشيب علا رأسه والموت دنا منه لذا آثر التنسك والتزهد.
    إن شعر الزهد عند أبي العتاهية كان موجها للعامة آخذا السبيل الوعظي، لما سدا العصر آنذاك من مجون وفساد، لذا لم يبالغ في استخدام الصور البيانية والمحسنات البديعية ولم يغرب في الألفاظ، بل جاءت ألفاظه سهلة قريبة من لغة الناس، وقد استخدم الكناية في قوله (برد اليأس) ليشعرنا أن في اليأس من الحياة راحة وسلاما، وهذه فكرة أبي العتاهية في الزهد فهو يراه تجردا كاملا من الدنيا ويأسا منها والاكتفاء بالتزهد والتزود بالأعمال الصالحة فقط للحياة الآخرة، وبهذا يناقض حقيقة الزهد التي تقرن العبادة بالعمل وطلب الرزق في الحياة دون أن ينتظر الشخص رزقه أو حتى موته.
    وقد صوّر أبو العتاهية الشيب إنسانا يقيم النعاة وينذر بقرب الموت وكذلك فعل في تصوير الموت حين جعله جلادا ممسكا للسيف منتظرا قدومه وهاتان الصورتان تصوران نظرة أبي العتاهية إلى الموت فهي نظرة خوف وترقب وقلق.


    إن هذا المقطع غلبت عليه الخبرية لأن في وصفا لتغير الحال وترقب الموت، مع وجود أساليب إنشائية كالنداء (يا دنيا)، والأمر (اذهبي) ، والقسم( لقد) .
    ثم ينتقل للحديث عن مفهوم النسب، فليس نسب الإنسان في رأيه إلا صلاح عمله وما يعرف عنه من تقى، فالتقي –في نظره- إنسان يفعل ما يقول مبتعدا عن النفاق والتملق وهذا التقى يكسب صاحبه السكينة والراحة.
    وقد آثر أبو العتاهية في هذا المقطع استخدام الشرط ليثير حركة في النص فيرتفع الإيقاع مع فعل الشرط ثم يعود للانخفاض مع الجواب ، وأسلوب الشرط يوحي بالإقناع لاقترانه بالجواب وهذا ما يحاول أبو العتاهية أن يصل إليه.
    ثم يخلص إلى أن كل شيء إلى زوال ليذكرنا بقوله تعالى " كُـلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ" .
    أما المقطع الثالث فهو مقطع يستحضر فيه أبو العتاهية مشهد يوم القيامة فيكثر من صيغ الفعل المضارع (تقشعرّ، تشيب، يقذفن) ،و يكثر من وصف ذلك اليوم فهو يوم تقشعر له الجلود ويشيب الطفل من هوله وتضع كل ذات حملٍ حملها، وبين كل هذا الوصف للمشهد العظيم يذكر أبو العتاهية مكان المتقين الذين ذكرهم، فهم في مكان عليّ ٍ ، نضري الوجوه تحت ظلال رحمة الله تعالى .
    إن هذا المقطع يكاد أن يكون ساكنا لما يسيطر عليه من وصف، ولكن استخدام الأفعال المضارعة كسر هذا السكون إضافة إلى الترصيع الذي جاء عفوا في الأبيات (نوازل، زلازل، حوامل) ، (تغابن، تباين، توازن) وقد أكسب هذا الترصيع الأبيات إيقاعا جميلا وجرسا موسيقيا.
    إذا لاحظنا استخدام أبي العتاهية للضمائر ، فقد استخدم ضمير المتكلم في المقطع الأول الذي يفيد الانفعالية فما في وصل إليه أبو العتاهية من حقيقة جعله مشغولا بالتعبير عن رؤيته وعرضها ، وهذه الانفعالية أكسب النص حركة وتسارعا إضافة إلى ما حققته الأفعال من حركة أيضا.
    وفي المقطع الثاني كان يسود ضمير المخاطب الذي يفيد الإقناع (بحثتَ) ليرسم الصورة أمام السامع.
    وفي المقطع الثالث وصف لليوم العظيم وفيه إخبار عنه وقد ساعد ضمير الغائب ليحقق الوظيفة الإخبارية.
    بقي أن نقول إن شعر أبي العتاهية شعر رقيق قريب من الأذهان لأن وظيفته وعظية،ولكن حقيقة أبي العتاهية لا تمت كثيرا إلى زهد بالصلة فهو إنسان بخيل طماع عـُرف ذلك عنه ، لذا حين نقرن شعره بشخصه قد يضعف إحساسنا بأبياته، لذا نؤثر أن نقرأ الأبيات مكتفين بها.
    إن صدق العاطفة عند أبي العتاهية ضعيف جدا إن قارناه بصدق عاطفة أبي نواس، فبيت واحد من أبيات أبي نواس يعادل قصائد كثيرة لأبي العتاهية .

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس مارس 28, 2024 7:55 pm