العقوبة بالمثل
شرع الله سبحانه وتعالى عقوبات منها في الدنيا وهي الحدود ومنها في الآخرة وهي العذاب ومنها عقوبة كونية تكون من جنس العمل لعباده في الدنيا قبل الآخرة :
وروى أبو داوود وابن ماجة بسنده عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول : (ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي يقدرون أن يغيروا عليه ولا يغيرون إلا أصابهم الله منه بعقاب قبل أن يموتوا ) ( ).
وعن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أوحى الله عز وجل إلى جبريل عليه السلام : أن اقلب مدينة كذا وكذا فقال يا رب إن فيهم عبدك فلانًا لم يعصك طرفة عين ، فقال اقلبها وعليه ، فإن وجهه لم يتمعَّر فيَّ ساعة قط ( ).
ولقد خص الله تعالى بعض المعاصي بعقوبات خاصة من البلايا والآفات في الدنيا والآخرة نذكر منها ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( يا معشر المهاجرين خمس خصال إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن ما ظهرت الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا ابتلوا بالطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ولا نقص قوم المكيال والميزان إلا ابتلوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل الله بأسهم بينهم ) ( ).حديث 106 سلسلة الصحيح للألباني .
وروى الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه قال ( إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله ) ( ).
وعن عبد الله بن مسعود ( إذا ظهر الربا والزنا في قرية أذن الله بهلاكها ) قال مجاهد : إن البهائم تلعن عصاة ابن آدم إذا اشتدت السنة وأمسك المطر وتقول : هذا بشؤم معصية ابن آدم ، وقال عكرمة : دواب الأرض وهوامها تقول : منعنا القطر بذنوب ابن آدم كذلك خص الله تعالى بعض الطاعات بثواب وحسنات خاصة في الدنيا والآخرة نذكر منها قول الله تعالى : ( فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً ) [ نوح 10-12].
وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ليس شيء أُطيع الله فيه أعجل ثواباً من صلة الرحم وليس شيء أعجل عقوبة من البغي وقطيعة الرحم واليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع ( أي فقراء ) ( ).
وروى الترمذي بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يرد الدعاء إلا القضاء ، ولا يزيد في العمر إلا البر ) ( ).
ومن المشاهد عموماً ( إلا ما استثنى ) أن قوة التقوى تؤثر في صلاح الذرية عموماً وبالمقابل فإن قوة المعصية تؤثر في فساد الذرية ويشهد لذلك ما علل الخضر به بناء الجدار لحفظ كنز الغلامين اليتمين كما جاء في القرآن الكريم وكان أبوهما صالحاً [الكهف :82 ].
وقد يقول قائل فما بالنا نرى أبواب النعيم في الدنيا تفتح للكافرين ولا يصيبهم ما يصيبنا من نكد في الدنيا على ما هم فيه من كفر وفجور وإفساد ؟ فنقول إن هؤلاء قوم يعجل الله لهم طيباتهم في الحياة الدنيا كما ورد في الأثر ، وهذا أيضاً نوع مما يبتلى المؤمن به ويمتحن إيمانه ويقينه من جهة ثم هو استدراج من الله تعالى ؛ يمهلهم ويمد لهم ، حتى إذا جاءتهم نقمته سبحانه : أخذهم بعذاب شديد دفعة واحدة في الدنيا مع ما يرصده لهم في الآخرة ، كما في الحديث المتفق عليه : ( إن الله ليملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته ثم قرأ : " وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة ، إن أخذه أليم شديد ) [هود: 102] ( ).
عن أبي قلابة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( البر لا يبلى والإثم لا ينسى والديان لا يموت فكن كما شئت كما تدين تدان )( ).
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن وهب بن منبه في قوله وكتبنا في الألواح من كل شيء قال : كتب له أعبدني ولا تشرك بي شيئاً من أهل السماء ولا من أهل الأرض فإن كل ذلك خلقي فإذا أشرك بي غضبت وإذا غضبت لعنت وإن لعنتي تدرك الرابع من الولد وإني إذا أطعت رضيت وإذا رضيت باركت والبركة مني تدرك الأمة بعد الأمة ولا تحلف باسمي كاذبا فإني لا أزكي من حلف باسمي كاذباً ، ووقر والديك فإنه من وقر والديه مددت له في عمره ووهبت له ولداً يبره ومن عق والديه قصرت له في عمره ووهبت له ولداً يعقه وأحفظ السبت فإنه آخر يوم فرغت فيه من خلقي ولا تزن ولا تسرق ولا تول وجهك عن عدوى ولا تزن بامرأة جارك الذي يأمنك ولا تغلب جارك على ماله ولا تخلفه على امرأته .
وأخرج أبو الشيخ والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي حزرة القاص أن العشر الآيات التي كتب الله تعالى لموسى في الألواح : أن اعبدني ولا تشرك بي شيئاً ولا تحلف باسمي كاذبا فإني لا أزكي ولا أطهر من حلف باسمي كاذباً واشكر لي ولوالديك أنسأ لك في أجلك وأقيك المتالف ، ولا تسرق ولا تزن فأحجب عنك نور وجهي ولا تغلق عن دعائك أبواب سماواتي ، ولا تغدر بحليل جارك وأحب للناس ما تحب لنفسك ، ولا تشهد بما لم يع سمعك ويفقه قلبك فإني واقف أهل الشهادات على شهادتهم يوم القيامة ثم سائلهم عنها ولا تذبح لغيري ولا يصعد إلي من قربان أهل الأرض إلا ما ذكر عليه اسمي ( )
يقول لنبي إسرائيل : " إني إذا أطعت رضيت وإذا رضيت باركت وليس لبركتي ناهية وإذا عصيت غضبت ولعنت ولعنتي تبلغ السابع من الولد "
وأخرج أحمد عن وهب قال : يقول الله : " اتقوا غضبي فإن غضبي يدرك إلى ثلاثة آباء وأحبوا رضاي فإن رضاي يدرك في الأمة " ( ).
وهذه صور للمعاقبة بالمثل :
دار الظالم خراب ولو بعد حين:
قال في المقاصد لم أقف عليه ، ولكن يشهد له قوله تعالى فتلك بيوتهم خاوية بما ظلمواوزاد النجم قال كعب لأبي هريرة : في التوراة من يظلم يخرب بيته ، فقال أبو هريرة وكذلك في كتاب الله فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا( ).
ولما انتهى سعد بن أبي وقاص إلى إيوان كسرى أقبل يقرأ: كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ (28) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ [ الدخان :25-29] ، وصلى فيه صلاة الفتح ولا تصلى جماعة فصلى ثماني ركعات لا يفصل بينهن واتخذه مسجدا وفيه تماثيل الجص رجال وخيل ولم يمتنع ولا المسلمون لذلك وتركوها على حالها قالوا وأتم سعد الصلاة يوم دخلها وذلك أنه أراد المقام فيها وكانت أول جمعة بالعراق جمعت جماعة بالمدائن في صفر سنة ست عشرة ( )
وكان معزالدولة بن بويه شرع في بناء دار هائلة عظيمة ببغداد وأخرب لأجلها دوراً وقصوراً ، وقلع أبواب الحديد التي كانت على أبواب مدينة المنصور ، وألزم الناس ببيع أملاكهم ليدخلها في البناء ونزل في الأساسات ستاً وثلاثين ذراعاً فلزمه من الغرامات عليها إلى أن مات ثلاثة عشر ألف ألف درهم وصادر الدواوين وغيرها ، وجعل كلما حصل له شيء أخرجه في بنائها وقد درست هذه الدار من قبل سنة ستمائة ولم يبق لها أثر وبقي مكانها دجلة تأوي إليها الوحوش وبقي شيء من الأساس يعتبر به من يراه ، قلت : دار الظالم خراب ولو بعد حين( ).
قال الشافعي رحمه الله :
تحكموا فاستطالوا في تحكمهم
عما قليل كأن الحكم لم يكن
لو أنصفوا أنصفوا لكن بغوا
فبغى عليهم الدهر بالأحزان والمحن
فأصبحوا ولسان الحال ينشدهم
هذا بذاك ولا عتب على الزمن( )
الزنا دين فاتعظ :
عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( عفوا تعف نساؤكم ، وبروا آباءكم يبركم أبناؤكم ، ومن اعتذر إلى أخيه المسلم من شيء بلغه عنه فلم يقبل عذره لم يرد على الحوض )( ).
وعن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تزنوا فتذهب لذة نسائكم من أزواجكم وعفوا تعف نساؤكم إن بني فلان زنوا فزنت نساؤهم ) ( ).
قال الشافعي رحمه الله : الزنا دينٌ فاتعظ
عفوا تعف نساؤكم في المحرم
وتجنبوا ما لا يليق بمسلم
إن الزنا دين فإن أقرضته
كان الوفا من أهل بيتك فاعلم
يا هاتكا حرم الرجال وقاطعا
سبل المودة عشت غير مكرم
لو كنت حراً من سلالة ماجد
ما كنت هتاكاً لحرمة مسلم
من يزن يزن به ولو بجداره
إن كنت يا هذا لبيباً فافهم( )
دقة بدقة ولو زدت لزاد السقا :
كان لأحد التجار الأتقياء ولد وابنه واحدة بلغا عمر الشباب ، وفي يوم من الأيام ، سأل ولده الوحيد أن يسافر إلى سورية بتجارته قائلاً له : ( لقد كبرت ياولدي ، فلا أقوى على السفر ، وقد أصبحت رجلاً والحمد لله ، فسافر على بركة الله مع قافلة الحبوب إلى حلب فبع مامعك ، واشتر بها صابوناً وقماشاً ثم عد إلينا ، أوصيك بتقوى الله ، واطلب منك أن تحافظ على شرف أختك ).
سافر الشاب بتحارة أبيه ، وفي حلب الشهباء باع حبوبه ، واشترى من صابونها الممتاز وقماشها الفاخر ، وفي يوم من الأيام قبيل عودته من حلب ، رأى شابة جميلة في طريق مقفر بعد غروب الشمس ، فراودته نفسه الأمارة بالسوء على تقبيلها ، وسرعان ما اختطف قبلة منها ، ثم هرب على وجهه وهربت الوفاة ، وكتم أمره عن أصحابه ، ولم يبح بسره لأحد ، وبعد أيام عاد إلى بلده .
وكان والده الشيخ في غرفته يطل منها فناء الدار ، حين طرق الباب السقاء ، فهرعت ابنته إلى الباب تفتحه له ، وحمل السقاء قربته وصبها في الحب ، وأخت الفتى تنتظره على الباب لتغلقه بعد مغادرة السقاء الدار ، وعاد السقاء بقربته الفارغة ، فلما مر بالفتاة قبَّلها ، ثم هرب لا يلوي على شيء .
ولمح أبوها من نافذة غرفته ماحدث ، فردد من صميم قلبه ( لاحول ولا قوة إلا بالله ) .
ولم يقل الأب شيئاً ، ولم تقل الفتاة شيئاً ...
وعاد السقاء في اليوم الثاني إلى دار الرجل كالمعتاد ، وكان مطاطيء الرأس خجلاً ، وفتحت الفتاة الباب ، ولكنه لم يعد إلى فعلته مرة أخرى .
لقد كان هذا السقاء يزود الدار بالماء منذ سنين ، كما كان يزود دور المحلة كلها بالماء ، ولم يكن في يوم من الايام موضع ريبة ، ولم يحدث له ان ينظر الى محارم الناس نظرة سوء ، وكان في العقد الخامس من عمره ، وقد ولى عنه عهد الشباب وما قد يصحبه من تهور وطيش وغرور ..
وقدم الفتى الموصل ، موفور الصحة ، وافر المال ، ولم بفرح والده بالصحة ولا بالمال ، لم يسأله عن تجارته ولا عن سفره ، ولا عن أصحاب التجارة في حلب .
لقد سأل ولده أول ما سأله : ماذا فعلت منذ غادرت الموصل إلى أن عدت إليها ؟
وابتدأ الفتى بسرد قصة تجارته ، فقاطعه أبوه متسائلاً : ( هل قبلت فتاة ، ومتى وأين ) فسقط في يد الشاب ، ثم أنكر ...
واحمرَّ وجه الفتى وتلعثم ، وأطرق برأسه إلى الأرض في صمت مطبق كأنه صخرة من صخور الجبال لا يتحرك ولا يبرح .
وأخيراً قال أبوه : لقد أوصيتك أن تصون عرض أختك في سفرك ولكنك لم تفعل .
وقص عليه قصة أخته وكيف قبلها السقاء ، فلابد أن تلك بتلك القبلة وفاء لدين عليك ..
وانهار الفتى ، واعترف بالحقيقة .
وقال له أبوه مشفقاً عليه وعلى أخته وعلى نفسه:( إني لأعلم أنني لم أكشف ذيلي في حرام ، وكنت أصون عرضي حين كنت أصون أعراض الناس ، ولا اذكر أن لي خيانة في عرض أو سقطة من فاحشة ، ارجوا لا أكون مديناً لله بشيء من ذلك ، وحين قبَّل السقاء أختك تيقنت انك قبلت فتاة ما ، فأدت أختك عنك دينك ، لقد كانت دقة بدقة ، وان زدت زاد السقا!!( )
بشر القاتل بالقتل ولو بعد حين :
فكل قاتل لابد له في يوم ما أن يقتل : قال عبد الملك بن عمير دخلت على عبيد الله بن زياد وإذا رأس الحسين بن علي بين يديه على ترس فوالله ما لبث إلا قليلاً حتى دخلت على المختار بن أبي عبيد وإذا رأس عبيد الله بن زياد بين يدى المختار على ترس ووالله ما لبثت إلا قليلاً حتى دخلت على عبد الملك بن مروان وإذا رأس مصعب بن الزبير على ترس بين يديه ( ).
يروى محمود خطاب في كتابه عدالة السماء: أن قاتلاً قتل قتيلاً ورماه في حفرة وبعد دهر طويل أراد رجل ثالث قتل القاتل ، فهرب منه ، وظل يركض ساعة ينتقل من مخبأ إلى مخبأ ، ثم لم يجد في النهاية مايواريه إلا الحفرة التي رمى فيها ضحيته القديمة ، فجاء الأخر فقتله فيها !! ( ).
قال الأستاذ أحمد محمد الراشد في كتابه صناعة الحياة : حدثني ثقة قال : إن جنديا تركياً انخزل عن وحدته يوم انسحاب الجيش العثماني من بغداد أمام ضغط الجيش البريطاني ، ووقف هذا الجندي بباب جامع أبي حنيفة ، فجاء شقي سلبه ثم قتله بظلم في وقفته بالباب ، وبعد عشرين سنة تشاجر الشقي مع آخر فطعن ، فهام على وجهه من حرارة الطعنة لا يدري مايفعل ، وظل يهرول بلا وعي مئات الأمتار ، حتى وصل باب الجامع فخرَّ ميتاً في الموضع نفسه الذي قتل فيه التركي البريء ( ).
ومن أعجب الأمور أن العقوبة قد لا تظهر في الفاعل وإنما في ولده لحكمة ربانية ، فقد حدثني احمد جمال الحريري رحمه الله ، المطوف بمكة ، قال : يابني : كلنا قد استهجن سحل جثة الأمير عبدالاله صبيحة ثورة 14 تموز ببغداد ، ولكن هل تظن أن ذلك جاء من غير مقدمة ؟ قال : لقد رأيت أباه علياً صبيحة التاسع من شعبان بمكة يوم أعلنت الثورة العربية التي قادها لورنس يصعد إلى قلعة مكة التي مازالت شاخصة حتى الآن ، فأعطى الحامية العثمانية أماناً إذا سلّمت بغير قتال ، فسلموا ونزلوا بذاك الأمان وكرهوا القتال بمكة ، فأطلق سراح الجنود ، وكانوا أربعمائة ، ووضع الحبال في أرجل ستة عشر ضابطا وسحلهم أتباعه وهم أحياء ، والغوغاء تركض وراءهم ، فماتوا بعد بضع مئات أمتار ، واستمروا يسحلونهم حتى بلغوا البطحاء التي بين مكة ومنى ، فعلّقوهم على الأشجار أمواتاً ، قال : وكل ذلك رأيته بعيني ، وما أظن الذي حدث لعبد الإله إلا عقوبة مثلية لتلك السيئة!!( ).
من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته:
عن ابن عمر قال : صعد رسول الله صلى الله عليه و سلم المنبر فنادى بصوت رفيع فقال يا معشر من قد أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحلة قال ونظر ابن عمر يوماً إلى البيت أو إلى الكعبة فقال ما أعظمك وأعظم حرمتك والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك ( ).
إذَا شئْتَ أَن تَحْيَا ودينك سالم
وحظك موفُورٌ وعِرْضُكَ صَيّنُ
لِسَانَكَ ، لا تذكُرْ به عَوْرَةَ امِرىءٍ
فعندك عَوْرَاتٌ ولِلنَّاس أَلسُنُ
وإنْ أبصرت عَيْنَاكَ عيباً فقل لها
أيا عَيْنُ لا تنظري ؛ فللناس أعيُنُ
وعَاشِرْ بمَعْرُوفٍ وجَانِبْ مَنِ اعتَدى
وفارقْ ولكنْ بالتي هي أحْسَنُ( )
لاتظهر الشماته لأخيك فيرحمه الله ويبتليك :
عن واثلة بن الأسقع قال : قال رسول الله صلى الله عليه : لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك ( )
قال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم : سمعت أشهب بن عبد العزيز يدعو على محمد ابن إدريس الشافعي بالموت ، أظنه قال في سجوده ، فذكرت ذلك للشافعي رحمه الله ، فتثمل :
تمنى رجال أن أموت ، وإن أمت
فتلك سبيل لست فيها بأوحد
وما موت من قد مات قبلي بضائري
ولا عيش من قد عاش بعدي بمخلد
لعل الذي يرجو فنائي ويدّعي
به قبل موتي أن يكون هو الردى
فما عيش من يرجو هلاكي بضائري
ولا موت من قد مات قبلي بمخلدي
منية تجري لوقت وحتفه
سيلحقه يوما على غير موعد
فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى
تهيأ لأخرى مثلها فكأن قد
وقد علموا لو ينفع العلم عندهم
لئن مت مالداعي عليّ بمخلد( )
قال محمد : فمات الشافعي رحمه الله ، واشترى أشهب من تركته مملوكاً ، ثم مات أشهب بعده بنحو من شهر ، أو قال : خمسة عشر يوماً أو ثمانية عشريوماً ، واشتريت أنا ذلك المملوك من تركة أشهب ( ).
النصرة في الدين :
عن يحيى بن سليم بن زيد مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه سمع إسماعيل بن بشير مولى بني مغالة يقول سمعت جابر بن عبد الله وأبا طلحة بن سهل الأنصاريين يقولان قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما من أحد يخذل مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته وما من امرئ ينصر مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته ( )
إن ربي مزق ربه الليلة :
أرسل النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً إلي كسرى يدعوه إلى الإسلام فمزق الكتاب و أرسل إلى باذان يطلب منه قتل رسول الله فأرسل رجلين ، فأخبرهما النبي صلى الله عليه وسلم بهلاك كسرى على يد ابنه شيرويه ، فعادا إلى اليمن و قصّا ذلك على باذان فأسلم ، و هو من الأبناء ، عينه النبي صلى الله عليه وسلم على اليمن ( ).
أكرم الآخرين يكرمك الله :
روى الترمذي عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( ماأكرم شاب شيخاً لسنه إلا قيض الله تعالى له عند سنه من يكرمه ).
خباب وأم أنمار:
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يألف خبابًا ويتردد عليه بعد أن أسلم، فلما علمت مولاته بذلك، وهي أم أنمار الخزاعية، أخذت حديدة قد أحمتها، فوضعتها على رأسه، فشكا خبابًا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (اللهم انصر خبابًا)، فاشتكت مولاته رأسها، فكانت تعوي مع الكلاب، فقيل لها: اكتوي، فجاءت إلى خباب ليكويها، فكان يأخذ الحديدة قد أحماها فيكوي بها رأسها، وإن في ذلك لعبرة لمن أراد أن يعتبر، ما أقرب فرج الله ونصره من عباده المؤمنين الصابرين، فانظر كيف جاءت إليه بنفسها تطلب منه أن يكويها على رأسها ( ).
عقوق الوالدين فقد عجل الله عقوبته في الدنيا فضلا عن عذاب الآخرة وهذه العقوبة تكون بالمثل :
كان رجل يحب ولده كثيراً فلما كبر سنه ومرض الأب قالت زوجة الابن لزوجها : إن أباك كلما قدمنا له طعاماً في إناء كسره فلو أبدلنا هذا الإناء بإناء من خشب كي لاينكسر ، ففعل الابن ذلك ، وقدم لأبيه بناء من خشب ، فلما مات الأب كبر هذا الابن فقام ابنه أيضا بتقديم الطعام بنفس الإناء وولده الصغير ينظر إليه ، فاخذ هذا الطفل الصغير لايترك هذا الإناء على الأرض أبداً ، فرأى الأب ولده حريص كل الحرص على إناء جده ومهتم به كثيراً، فقال له يابني : لماذا أنت مهتم بهذا الإناء كثيراً إنه من خشب وغير قابل للتلف ، قال يا أبتي : أخشى عليه من الكسر ، سوف أقدم لك الطعام بهذا الإناء عندما تكبر في العمر ، فندم الابن وأخذ يقبل يدي ورجلي أبيه ويعتذر له ، نتيجة نصح ولده الصغير له .
صاحب الجاه :
عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ لِلَّهِ عَبَّادًا اخْتَصَّهُمْ بِالنِّعَمِ لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ ، يُقِرُّهُمْ فِيهَا مَا بَذَلُوهَا ، فَإِذَا مَنَعُوهَا نَزَعَهَا مِنْهُمْ ، فَحَوَّلَهَا إِلَى غَيْرِهِمْ ( ).
فيامن وهبك الله هذه النعم من منصب أو مال أو جاه فإذا لم تؤدي حقها فانك تعرضها للزوال فإنها سوف تزول وتذهب عنك إلى غيرك .
قال طاوس : إذا أنعم الله على عبد نعمة ثم جعل حوائج الناس إليه فان احتمل وصبر وإلا عرض تلك النعمة للزوال ( ).
أصحاب الجنة :
إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (25) فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ [ القلم : 17-27]
ابن عباس في قوله تعالى : ( إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة ( قال بستان باليمن يقال له الضروان دون صنعاء بفرسخين يطؤه أهل الطريق وكان غرسه قوم من أهل الصلاة وكان لرجل فمات فورثه ثلاث بنين له وكان يترك للمساكين إذا صرموا نخلهم كل شيء تعداه المنجل إذا طرح من فوق النخل إلى البساط وكل شيء يخرج من المنجل إلى البساط فهو أيضاً للمساكين وإذا حصدوا زرعهم فكل شيء تعداه المنجل فهو للمساكين وإذا داسوه كان لهم كل شيء ينتثر أيضاً فلما مات الأب وورثه بنوه هؤلاء الإخوة الثلاثة قالوا والله إن المال قليل وإن العيال كثير وإنما كان هذا الأمر يفعل لما كان المال كثيراً والعيال قليلاً فأما إذا قل المال وكثر العيال فإنا لا نستطيع أن نفعل فتحالفوا بينهم يوماً أن يغدوا غدوة قبل خروج الناس فليصر من نخلهم فذلك قوله تعالى : ( إذ أقسموا ( أي تحالفوا ) ليصرمنها ( أي ليقطعن ثمرها ) مصبحين ( أي إذا أصبحوا قبل أن يخرج إليهم المساكين وقبل أن يعلم بها المساكين , ) ولا يستثنون ( أي ولم يقولوا إن شاء الله وقيل لا يستثنون شيئاً للمساكين من ثمر جنتهم ) فطاف عليها طائف من ربك ( أي عذاب من ربك ولا يكون الطائف إلا بالليل وهو قوله تعالى : ( وهم نائمون ( وكان ذلك الطائف ناراً أنزلت من السماء فأحرقتها وهو قوله تعالى : ( فأصبحت ( أي الجنة ) كالصريم ( أي كالليل الأسود المظلم وقيل تصرم منها الخير فليس فيها شيء ينتفع به وقال ابن عباس كالرماد الأسود وهو بلغة خزيمة( ).
انتبه :
كانت يمامة تتغنى فوق سطح الدار ، وكان مما ردتته :
من خاف على عقبه وعقب عقبه ، فليتق الله ..
ومن تعقب عورات الناس ، تعقب الله عورته .
ومن تعقب الله عورته ، فضحه ولو كان في جوف رحم .
ومن كان يحرص على عرضه ، فليحرص على أعراض الناس ..
ومن أراد الله أن يهتك عرضه ، فليهتك أعراض الناس ..
لذة ساعة غصة إلى قيام الساعة ..
وكل دين لابد من وفاء .
ودين الأعراض وفاؤه بالأعراض ..
والمرء يهتك عرضه ، حين يهتك أعراض الناس .
والذين يفرحون باللذة الحرام قليلاً ، سيبكون على ماجنت أيديهم كثيراً .
والذين يخونون حرمات الناس ، يخونون حرماتهم أولاً.
ولكنهم غافلون عن أمرهم ، لأنهم آخر من يعلمون ..
ولو علموا الحق ، لتواروا عن البشر خجلاً وعاراً ..
إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [ الفجر :14]
وإنه أعدل العادلين .
فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ[ التوبة : 70]( )
شرع الله سبحانه وتعالى عقوبات منها في الدنيا وهي الحدود ومنها في الآخرة وهي العذاب ومنها عقوبة كونية تكون من جنس العمل لعباده في الدنيا قبل الآخرة :
وروى أبو داوود وابن ماجة بسنده عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول : (ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي يقدرون أن يغيروا عليه ولا يغيرون إلا أصابهم الله منه بعقاب قبل أن يموتوا ) ( ).
وعن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أوحى الله عز وجل إلى جبريل عليه السلام : أن اقلب مدينة كذا وكذا فقال يا رب إن فيهم عبدك فلانًا لم يعصك طرفة عين ، فقال اقلبها وعليه ، فإن وجهه لم يتمعَّر فيَّ ساعة قط ( ).
ولقد خص الله تعالى بعض المعاصي بعقوبات خاصة من البلايا والآفات في الدنيا والآخرة نذكر منها ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( يا معشر المهاجرين خمس خصال إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن ما ظهرت الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا ابتلوا بالطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ولا نقص قوم المكيال والميزان إلا ابتلوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل الله بأسهم بينهم ) ( ).حديث 106 سلسلة الصحيح للألباني .
وروى الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه قال ( إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله ) ( ).
وعن عبد الله بن مسعود ( إذا ظهر الربا والزنا في قرية أذن الله بهلاكها ) قال مجاهد : إن البهائم تلعن عصاة ابن آدم إذا اشتدت السنة وأمسك المطر وتقول : هذا بشؤم معصية ابن آدم ، وقال عكرمة : دواب الأرض وهوامها تقول : منعنا القطر بذنوب ابن آدم كذلك خص الله تعالى بعض الطاعات بثواب وحسنات خاصة في الدنيا والآخرة نذكر منها قول الله تعالى : ( فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً ) [ نوح 10-12].
وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ليس شيء أُطيع الله فيه أعجل ثواباً من صلة الرحم وليس شيء أعجل عقوبة من البغي وقطيعة الرحم واليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع ( أي فقراء ) ( ).
وروى الترمذي بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يرد الدعاء إلا القضاء ، ولا يزيد في العمر إلا البر ) ( ).
ومن المشاهد عموماً ( إلا ما استثنى ) أن قوة التقوى تؤثر في صلاح الذرية عموماً وبالمقابل فإن قوة المعصية تؤثر في فساد الذرية ويشهد لذلك ما علل الخضر به بناء الجدار لحفظ كنز الغلامين اليتمين كما جاء في القرآن الكريم وكان أبوهما صالحاً [الكهف :82 ].
وقد يقول قائل فما بالنا نرى أبواب النعيم في الدنيا تفتح للكافرين ولا يصيبهم ما يصيبنا من نكد في الدنيا على ما هم فيه من كفر وفجور وإفساد ؟ فنقول إن هؤلاء قوم يعجل الله لهم طيباتهم في الحياة الدنيا كما ورد في الأثر ، وهذا أيضاً نوع مما يبتلى المؤمن به ويمتحن إيمانه ويقينه من جهة ثم هو استدراج من الله تعالى ؛ يمهلهم ويمد لهم ، حتى إذا جاءتهم نقمته سبحانه : أخذهم بعذاب شديد دفعة واحدة في الدنيا مع ما يرصده لهم في الآخرة ، كما في الحديث المتفق عليه : ( إن الله ليملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته ثم قرأ : " وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة ، إن أخذه أليم شديد ) [هود: 102] ( ).
عن أبي قلابة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( البر لا يبلى والإثم لا ينسى والديان لا يموت فكن كما شئت كما تدين تدان )( ).
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن وهب بن منبه في قوله وكتبنا في الألواح من كل شيء قال : كتب له أعبدني ولا تشرك بي شيئاً من أهل السماء ولا من أهل الأرض فإن كل ذلك خلقي فإذا أشرك بي غضبت وإذا غضبت لعنت وإن لعنتي تدرك الرابع من الولد وإني إذا أطعت رضيت وإذا رضيت باركت والبركة مني تدرك الأمة بعد الأمة ولا تحلف باسمي كاذبا فإني لا أزكي من حلف باسمي كاذباً ، ووقر والديك فإنه من وقر والديه مددت له في عمره ووهبت له ولداً يبره ومن عق والديه قصرت له في عمره ووهبت له ولداً يعقه وأحفظ السبت فإنه آخر يوم فرغت فيه من خلقي ولا تزن ولا تسرق ولا تول وجهك عن عدوى ولا تزن بامرأة جارك الذي يأمنك ولا تغلب جارك على ماله ولا تخلفه على امرأته .
وأخرج أبو الشيخ والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي حزرة القاص أن العشر الآيات التي كتب الله تعالى لموسى في الألواح : أن اعبدني ولا تشرك بي شيئاً ولا تحلف باسمي كاذبا فإني لا أزكي ولا أطهر من حلف باسمي كاذباً واشكر لي ولوالديك أنسأ لك في أجلك وأقيك المتالف ، ولا تسرق ولا تزن فأحجب عنك نور وجهي ولا تغلق عن دعائك أبواب سماواتي ، ولا تغدر بحليل جارك وأحب للناس ما تحب لنفسك ، ولا تشهد بما لم يع سمعك ويفقه قلبك فإني واقف أهل الشهادات على شهادتهم يوم القيامة ثم سائلهم عنها ولا تذبح لغيري ولا يصعد إلي من قربان أهل الأرض إلا ما ذكر عليه اسمي ( )
يقول لنبي إسرائيل : " إني إذا أطعت رضيت وإذا رضيت باركت وليس لبركتي ناهية وإذا عصيت غضبت ولعنت ولعنتي تبلغ السابع من الولد "
وأخرج أحمد عن وهب قال : يقول الله : " اتقوا غضبي فإن غضبي يدرك إلى ثلاثة آباء وأحبوا رضاي فإن رضاي يدرك في الأمة " ( ).
وهذه صور للمعاقبة بالمثل :
دار الظالم خراب ولو بعد حين:
قال في المقاصد لم أقف عليه ، ولكن يشهد له قوله تعالى فتلك بيوتهم خاوية بما ظلمواوزاد النجم قال كعب لأبي هريرة : في التوراة من يظلم يخرب بيته ، فقال أبو هريرة وكذلك في كتاب الله فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا( ).
ولما انتهى سعد بن أبي وقاص إلى إيوان كسرى أقبل يقرأ: كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ (28) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ [ الدخان :25-29] ، وصلى فيه صلاة الفتح ولا تصلى جماعة فصلى ثماني ركعات لا يفصل بينهن واتخذه مسجدا وفيه تماثيل الجص رجال وخيل ولم يمتنع ولا المسلمون لذلك وتركوها على حالها قالوا وأتم سعد الصلاة يوم دخلها وذلك أنه أراد المقام فيها وكانت أول جمعة بالعراق جمعت جماعة بالمدائن في صفر سنة ست عشرة ( )
وكان معزالدولة بن بويه شرع في بناء دار هائلة عظيمة ببغداد وأخرب لأجلها دوراً وقصوراً ، وقلع أبواب الحديد التي كانت على أبواب مدينة المنصور ، وألزم الناس ببيع أملاكهم ليدخلها في البناء ونزل في الأساسات ستاً وثلاثين ذراعاً فلزمه من الغرامات عليها إلى أن مات ثلاثة عشر ألف ألف درهم وصادر الدواوين وغيرها ، وجعل كلما حصل له شيء أخرجه في بنائها وقد درست هذه الدار من قبل سنة ستمائة ولم يبق لها أثر وبقي مكانها دجلة تأوي إليها الوحوش وبقي شيء من الأساس يعتبر به من يراه ، قلت : دار الظالم خراب ولو بعد حين( ).
قال الشافعي رحمه الله :
تحكموا فاستطالوا في تحكمهم
عما قليل كأن الحكم لم يكن
لو أنصفوا أنصفوا لكن بغوا
فبغى عليهم الدهر بالأحزان والمحن
فأصبحوا ولسان الحال ينشدهم
هذا بذاك ولا عتب على الزمن( )
الزنا دين فاتعظ :
عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( عفوا تعف نساؤكم ، وبروا آباءكم يبركم أبناؤكم ، ومن اعتذر إلى أخيه المسلم من شيء بلغه عنه فلم يقبل عذره لم يرد على الحوض )( ).
وعن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تزنوا فتذهب لذة نسائكم من أزواجكم وعفوا تعف نساؤكم إن بني فلان زنوا فزنت نساؤهم ) ( ).
قال الشافعي رحمه الله : الزنا دينٌ فاتعظ
عفوا تعف نساؤكم في المحرم
وتجنبوا ما لا يليق بمسلم
إن الزنا دين فإن أقرضته
كان الوفا من أهل بيتك فاعلم
يا هاتكا حرم الرجال وقاطعا
سبل المودة عشت غير مكرم
لو كنت حراً من سلالة ماجد
ما كنت هتاكاً لحرمة مسلم
من يزن يزن به ولو بجداره
إن كنت يا هذا لبيباً فافهم( )
دقة بدقة ولو زدت لزاد السقا :
كان لأحد التجار الأتقياء ولد وابنه واحدة بلغا عمر الشباب ، وفي يوم من الأيام ، سأل ولده الوحيد أن يسافر إلى سورية بتجارته قائلاً له : ( لقد كبرت ياولدي ، فلا أقوى على السفر ، وقد أصبحت رجلاً والحمد لله ، فسافر على بركة الله مع قافلة الحبوب إلى حلب فبع مامعك ، واشتر بها صابوناً وقماشاً ثم عد إلينا ، أوصيك بتقوى الله ، واطلب منك أن تحافظ على شرف أختك ).
سافر الشاب بتحارة أبيه ، وفي حلب الشهباء باع حبوبه ، واشترى من صابونها الممتاز وقماشها الفاخر ، وفي يوم من الأيام قبيل عودته من حلب ، رأى شابة جميلة في طريق مقفر بعد غروب الشمس ، فراودته نفسه الأمارة بالسوء على تقبيلها ، وسرعان ما اختطف قبلة منها ، ثم هرب على وجهه وهربت الوفاة ، وكتم أمره عن أصحابه ، ولم يبح بسره لأحد ، وبعد أيام عاد إلى بلده .
وكان والده الشيخ في غرفته يطل منها فناء الدار ، حين طرق الباب السقاء ، فهرعت ابنته إلى الباب تفتحه له ، وحمل السقاء قربته وصبها في الحب ، وأخت الفتى تنتظره على الباب لتغلقه بعد مغادرة السقاء الدار ، وعاد السقاء بقربته الفارغة ، فلما مر بالفتاة قبَّلها ، ثم هرب لا يلوي على شيء .
ولمح أبوها من نافذة غرفته ماحدث ، فردد من صميم قلبه ( لاحول ولا قوة إلا بالله ) .
ولم يقل الأب شيئاً ، ولم تقل الفتاة شيئاً ...
وعاد السقاء في اليوم الثاني إلى دار الرجل كالمعتاد ، وكان مطاطيء الرأس خجلاً ، وفتحت الفتاة الباب ، ولكنه لم يعد إلى فعلته مرة أخرى .
لقد كان هذا السقاء يزود الدار بالماء منذ سنين ، كما كان يزود دور المحلة كلها بالماء ، ولم يكن في يوم من الايام موضع ريبة ، ولم يحدث له ان ينظر الى محارم الناس نظرة سوء ، وكان في العقد الخامس من عمره ، وقد ولى عنه عهد الشباب وما قد يصحبه من تهور وطيش وغرور ..
وقدم الفتى الموصل ، موفور الصحة ، وافر المال ، ولم بفرح والده بالصحة ولا بالمال ، لم يسأله عن تجارته ولا عن سفره ، ولا عن أصحاب التجارة في حلب .
لقد سأل ولده أول ما سأله : ماذا فعلت منذ غادرت الموصل إلى أن عدت إليها ؟
وابتدأ الفتى بسرد قصة تجارته ، فقاطعه أبوه متسائلاً : ( هل قبلت فتاة ، ومتى وأين ) فسقط في يد الشاب ، ثم أنكر ...
واحمرَّ وجه الفتى وتلعثم ، وأطرق برأسه إلى الأرض في صمت مطبق كأنه صخرة من صخور الجبال لا يتحرك ولا يبرح .
وأخيراً قال أبوه : لقد أوصيتك أن تصون عرض أختك في سفرك ولكنك لم تفعل .
وقص عليه قصة أخته وكيف قبلها السقاء ، فلابد أن تلك بتلك القبلة وفاء لدين عليك ..
وانهار الفتى ، واعترف بالحقيقة .
وقال له أبوه مشفقاً عليه وعلى أخته وعلى نفسه:( إني لأعلم أنني لم أكشف ذيلي في حرام ، وكنت أصون عرضي حين كنت أصون أعراض الناس ، ولا اذكر أن لي خيانة في عرض أو سقطة من فاحشة ، ارجوا لا أكون مديناً لله بشيء من ذلك ، وحين قبَّل السقاء أختك تيقنت انك قبلت فتاة ما ، فأدت أختك عنك دينك ، لقد كانت دقة بدقة ، وان زدت زاد السقا!!( )
بشر القاتل بالقتل ولو بعد حين :
فكل قاتل لابد له في يوم ما أن يقتل : قال عبد الملك بن عمير دخلت على عبيد الله بن زياد وإذا رأس الحسين بن علي بين يديه على ترس فوالله ما لبث إلا قليلاً حتى دخلت على المختار بن أبي عبيد وإذا رأس عبيد الله بن زياد بين يدى المختار على ترس ووالله ما لبثت إلا قليلاً حتى دخلت على عبد الملك بن مروان وإذا رأس مصعب بن الزبير على ترس بين يديه ( ).
يروى محمود خطاب في كتابه عدالة السماء: أن قاتلاً قتل قتيلاً ورماه في حفرة وبعد دهر طويل أراد رجل ثالث قتل القاتل ، فهرب منه ، وظل يركض ساعة ينتقل من مخبأ إلى مخبأ ، ثم لم يجد في النهاية مايواريه إلا الحفرة التي رمى فيها ضحيته القديمة ، فجاء الأخر فقتله فيها !! ( ).
قال الأستاذ أحمد محمد الراشد في كتابه صناعة الحياة : حدثني ثقة قال : إن جنديا تركياً انخزل عن وحدته يوم انسحاب الجيش العثماني من بغداد أمام ضغط الجيش البريطاني ، ووقف هذا الجندي بباب جامع أبي حنيفة ، فجاء شقي سلبه ثم قتله بظلم في وقفته بالباب ، وبعد عشرين سنة تشاجر الشقي مع آخر فطعن ، فهام على وجهه من حرارة الطعنة لا يدري مايفعل ، وظل يهرول بلا وعي مئات الأمتار ، حتى وصل باب الجامع فخرَّ ميتاً في الموضع نفسه الذي قتل فيه التركي البريء ( ).
ومن أعجب الأمور أن العقوبة قد لا تظهر في الفاعل وإنما في ولده لحكمة ربانية ، فقد حدثني احمد جمال الحريري رحمه الله ، المطوف بمكة ، قال : يابني : كلنا قد استهجن سحل جثة الأمير عبدالاله صبيحة ثورة 14 تموز ببغداد ، ولكن هل تظن أن ذلك جاء من غير مقدمة ؟ قال : لقد رأيت أباه علياً صبيحة التاسع من شعبان بمكة يوم أعلنت الثورة العربية التي قادها لورنس يصعد إلى قلعة مكة التي مازالت شاخصة حتى الآن ، فأعطى الحامية العثمانية أماناً إذا سلّمت بغير قتال ، فسلموا ونزلوا بذاك الأمان وكرهوا القتال بمكة ، فأطلق سراح الجنود ، وكانوا أربعمائة ، ووضع الحبال في أرجل ستة عشر ضابطا وسحلهم أتباعه وهم أحياء ، والغوغاء تركض وراءهم ، فماتوا بعد بضع مئات أمتار ، واستمروا يسحلونهم حتى بلغوا البطحاء التي بين مكة ومنى ، فعلّقوهم على الأشجار أمواتاً ، قال : وكل ذلك رأيته بعيني ، وما أظن الذي حدث لعبد الإله إلا عقوبة مثلية لتلك السيئة!!( ).
من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته:
عن ابن عمر قال : صعد رسول الله صلى الله عليه و سلم المنبر فنادى بصوت رفيع فقال يا معشر من قد أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحلة قال ونظر ابن عمر يوماً إلى البيت أو إلى الكعبة فقال ما أعظمك وأعظم حرمتك والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك ( ).
إذَا شئْتَ أَن تَحْيَا ودينك سالم
وحظك موفُورٌ وعِرْضُكَ صَيّنُ
لِسَانَكَ ، لا تذكُرْ به عَوْرَةَ امِرىءٍ
فعندك عَوْرَاتٌ ولِلنَّاس أَلسُنُ
وإنْ أبصرت عَيْنَاكَ عيباً فقل لها
أيا عَيْنُ لا تنظري ؛ فللناس أعيُنُ
وعَاشِرْ بمَعْرُوفٍ وجَانِبْ مَنِ اعتَدى
وفارقْ ولكنْ بالتي هي أحْسَنُ( )
لاتظهر الشماته لأخيك فيرحمه الله ويبتليك :
عن واثلة بن الأسقع قال : قال رسول الله صلى الله عليه : لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك ( )
قال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم : سمعت أشهب بن عبد العزيز يدعو على محمد ابن إدريس الشافعي بالموت ، أظنه قال في سجوده ، فذكرت ذلك للشافعي رحمه الله ، فتثمل :
تمنى رجال أن أموت ، وإن أمت
فتلك سبيل لست فيها بأوحد
وما موت من قد مات قبلي بضائري
ولا عيش من قد عاش بعدي بمخلد
لعل الذي يرجو فنائي ويدّعي
به قبل موتي أن يكون هو الردى
فما عيش من يرجو هلاكي بضائري
ولا موت من قد مات قبلي بمخلدي
منية تجري لوقت وحتفه
سيلحقه يوما على غير موعد
فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى
تهيأ لأخرى مثلها فكأن قد
وقد علموا لو ينفع العلم عندهم
لئن مت مالداعي عليّ بمخلد( )
قال محمد : فمات الشافعي رحمه الله ، واشترى أشهب من تركته مملوكاً ، ثم مات أشهب بعده بنحو من شهر ، أو قال : خمسة عشر يوماً أو ثمانية عشريوماً ، واشتريت أنا ذلك المملوك من تركة أشهب ( ).
النصرة في الدين :
عن يحيى بن سليم بن زيد مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه سمع إسماعيل بن بشير مولى بني مغالة يقول سمعت جابر بن عبد الله وأبا طلحة بن سهل الأنصاريين يقولان قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما من أحد يخذل مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته وما من امرئ ينصر مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته ( )
إن ربي مزق ربه الليلة :
أرسل النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً إلي كسرى يدعوه إلى الإسلام فمزق الكتاب و أرسل إلى باذان يطلب منه قتل رسول الله فأرسل رجلين ، فأخبرهما النبي صلى الله عليه وسلم بهلاك كسرى على يد ابنه شيرويه ، فعادا إلى اليمن و قصّا ذلك على باذان فأسلم ، و هو من الأبناء ، عينه النبي صلى الله عليه وسلم على اليمن ( ).
أكرم الآخرين يكرمك الله :
روى الترمذي عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( ماأكرم شاب شيخاً لسنه إلا قيض الله تعالى له عند سنه من يكرمه ).
خباب وأم أنمار:
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يألف خبابًا ويتردد عليه بعد أن أسلم، فلما علمت مولاته بذلك، وهي أم أنمار الخزاعية، أخذت حديدة قد أحمتها، فوضعتها على رأسه، فشكا خبابًا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (اللهم انصر خبابًا)، فاشتكت مولاته رأسها، فكانت تعوي مع الكلاب، فقيل لها: اكتوي، فجاءت إلى خباب ليكويها، فكان يأخذ الحديدة قد أحماها فيكوي بها رأسها، وإن في ذلك لعبرة لمن أراد أن يعتبر، ما أقرب فرج الله ونصره من عباده المؤمنين الصابرين، فانظر كيف جاءت إليه بنفسها تطلب منه أن يكويها على رأسها ( ).
عقوق الوالدين فقد عجل الله عقوبته في الدنيا فضلا عن عذاب الآخرة وهذه العقوبة تكون بالمثل :
كان رجل يحب ولده كثيراً فلما كبر سنه ومرض الأب قالت زوجة الابن لزوجها : إن أباك كلما قدمنا له طعاماً في إناء كسره فلو أبدلنا هذا الإناء بإناء من خشب كي لاينكسر ، ففعل الابن ذلك ، وقدم لأبيه بناء من خشب ، فلما مات الأب كبر هذا الابن فقام ابنه أيضا بتقديم الطعام بنفس الإناء وولده الصغير ينظر إليه ، فاخذ هذا الطفل الصغير لايترك هذا الإناء على الأرض أبداً ، فرأى الأب ولده حريص كل الحرص على إناء جده ومهتم به كثيراً، فقال له يابني : لماذا أنت مهتم بهذا الإناء كثيراً إنه من خشب وغير قابل للتلف ، قال يا أبتي : أخشى عليه من الكسر ، سوف أقدم لك الطعام بهذا الإناء عندما تكبر في العمر ، فندم الابن وأخذ يقبل يدي ورجلي أبيه ويعتذر له ، نتيجة نصح ولده الصغير له .
صاحب الجاه :
عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ لِلَّهِ عَبَّادًا اخْتَصَّهُمْ بِالنِّعَمِ لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ ، يُقِرُّهُمْ فِيهَا مَا بَذَلُوهَا ، فَإِذَا مَنَعُوهَا نَزَعَهَا مِنْهُمْ ، فَحَوَّلَهَا إِلَى غَيْرِهِمْ ( ).
فيامن وهبك الله هذه النعم من منصب أو مال أو جاه فإذا لم تؤدي حقها فانك تعرضها للزوال فإنها سوف تزول وتذهب عنك إلى غيرك .
قال طاوس : إذا أنعم الله على عبد نعمة ثم جعل حوائج الناس إليه فان احتمل وصبر وإلا عرض تلك النعمة للزوال ( ).
أصحاب الجنة :
إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (25) فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ [ القلم : 17-27]
ابن عباس في قوله تعالى : ( إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة ( قال بستان باليمن يقال له الضروان دون صنعاء بفرسخين يطؤه أهل الطريق وكان غرسه قوم من أهل الصلاة وكان لرجل فمات فورثه ثلاث بنين له وكان يترك للمساكين إذا صرموا نخلهم كل شيء تعداه المنجل إذا طرح من فوق النخل إلى البساط وكل شيء يخرج من المنجل إلى البساط فهو أيضاً للمساكين وإذا حصدوا زرعهم فكل شيء تعداه المنجل فهو للمساكين وإذا داسوه كان لهم كل شيء ينتثر أيضاً فلما مات الأب وورثه بنوه هؤلاء الإخوة الثلاثة قالوا والله إن المال قليل وإن العيال كثير وإنما كان هذا الأمر يفعل لما كان المال كثيراً والعيال قليلاً فأما إذا قل المال وكثر العيال فإنا لا نستطيع أن نفعل فتحالفوا بينهم يوماً أن يغدوا غدوة قبل خروج الناس فليصر من نخلهم فذلك قوله تعالى : ( إذ أقسموا ( أي تحالفوا ) ليصرمنها ( أي ليقطعن ثمرها ) مصبحين ( أي إذا أصبحوا قبل أن يخرج إليهم المساكين وقبل أن يعلم بها المساكين , ) ولا يستثنون ( أي ولم يقولوا إن شاء الله وقيل لا يستثنون شيئاً للمساكين من ثمر جنتهم ) فطاف عليها طائف من ربك ( أي عذاب من ربك ولا يكون الطائف إلا بالليل وهو قوله تعالى : ( وهم نائمون ( وكان ذلك الطائف ناراً أنزلت من السماء فأحرقتها وهو قوله تعالى : ( فأصبحت ( أي الجنة ) كالصريم ( أي كالليل الأسود المظلم وقيل تصرم منها الخير فليس فيها شيء ينتفع به وقال ابن عباس كالرماد الأسود وهو بلغة خزيمة( ).
انتبه :
كانت يمامة تتغنى فوق سطح الدار ، وكان مما ردتته :
من خاف على عقبه وعقب عقبه ، فليتق الله ..
ومن تعقب عورات الناس ، تعقب الله عورته .
ومن تعقب الله عورته ، فضحه ولو كان في جوف رحم .
ومن كان يحرص على عرضه ، فليحرص على أعراض الناس ..
ومن أراد الله أن يهتك عرضه ، فليهتك أعراض الناس ..
لذة ساعة غصة إلى قيام الساعة ..
وكل دين لابد من وفاء .
ودين الأعراض وفاؤه بالأعراض ..
والمرء يهتك عرضه ، حين يهتك أعراض الناس .
والذين يفرحون باللذة الحرام قليلاً ، سيبكون على ماجنت أيديهم كثيراً .
والذين يخونون حرمات الناس ، يخونون حرماتهم أولاً.
ولكنهم غافلون عن أمرهم ، لأنهم آخر من يعلمون ..
ولو علموا الحق ، لتواروا عن البشر خجلاً وعاراً ..
إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [ الفجر :14]
وإنه أعدل العادلين .
فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ[ التوبة : 70]( )