قارئ الليل
هذه حكاية رجل أغرب من الخيال اتصل قلبه بربه عز وجل مؤدياً للفرائض محافظاً على النوافل ، فإذا خرج إلى عمله ذكر من الدعاء ما ذكر وهو يدعو الله أن يفتح عليه رزقه ليعيل أطفاله الصغار .
كان يستيقظ من الليل ليؤدي صلاة الليل حتى صلاة الفجر ثم يصلي في مسجد القرية الصغير الملاصق لداره ثم ينطلق إلى عمله وفي بعض الأحيان ينطلق قبل ذلك الموعد بقليل .
وفي ليلة باردة طويلة من ليالي الشتاء وبعد أن توضأ قام يصلي الليل كعادته وضاق صدره من فقره الذي جعل حياته لا تطاق وجعل داره الواسعة ضيقةً عليه ، كأنها جحر ضبٍ وهوائها العليل كأنه يتنفس فيه من خرم إبرة لا غير .
دخل المسجد فرأى المصحف الشريف يعلوه التراب وكأنه لم يُقرأ فيه منذ أشهر هزه الأمر وقال : ويحهم يعرفون القراءة والكتابة ولا يقرؤون كلام الله فأخذ ينفض التراب عنه ويدعو الله تعالى أن يرزقه قراءة كتابه ، فتح المصحف وأخذ ينظر إليه والدموع تنهمر من عينيه حتى بللت ثوبه .
أخذته إغفاءة من نوم وسقط رأسه على المصحف ، رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نومه هذا وهو يقول له : أتحب أن تقرأ القرآن يا أبا عادل .
قال : نعم أمنيتي في الحياة ولا أمنية لي سواها .
قال : يا أبا عادل قم واقرأ القرآن .
قال : أنا لا أعرف القراءة ، من أنت أيها الرجل الطيب فسيماك سيماء الصالحين.
فقال له : ويلك يا أبا عادل أما عرفتني أنا الذي تصلي عليه ألفاً مرة قبل أن تنام.
قال مسرعاً متشوقاً أنت حبيبي رسول الله فوالله إني لأحبك يارسول الله أكثر من نفسي وأهلي .
استيقظ الرجل من نومه مذهولاً يالها من رؤية لو كانت صادقة ، أخذ ينظر إلى المصحف الذي أمامه وإذا به يجيد القراءة والكتابة فأخذ يبكي بكاءً شديداً وهو يصلي على رسول صلى الله عليه وسلم ويقول روحي فداء لك يارسول الله .
جاء إمام القرية إلى المسجد ورآه يقرأ القرآن ويبكي .
قال : يا أبا عادل أراك تفتح المصحف وتقرأ فيه وأنت لا تجيد القراءة والكتابة ؟
قال أبو عادل : علمني الذي علمك ؟
ثم ضحك وخرج مسرعاً إلى بيته ليخبر زوجته ، أيقظها من نومها فاخبرها .
قالت : نم ياأبا عادل رؤية خير إن شاء الله .
قال: يا امرأة إنها حقا أنا اقرأ كتاب الله .
فقالت له : اكتم ذلك ولا تخبر به أحداً فإني أخشى عليك من الحسد .
فلما سمع نداء الفجر فتح باب داره وخرج منه مسرعاً فرحاً لهذا العطاء الرباني وهو يرد الأذان مع المؤذن .
ثم قال لإمام المسجد : أنت مدعو اليوم عندي بعد صلاة الظهر .
فقال الإمام : ما المناسبة قال سأخبرك في حينها .
قام بذبح خروفين بعد أن استدانهما من أحد الرعاة وقام بوليمة لأهل القرية ، فلما حضروا ، قالوا له : ما المناسبة .
قال أبو عادل : إنها قصة أعجب من الخيال أرجوكم صدقوني ولا تكذبوني فانا لا أكذب والله جاءني الرسول صلى الله عليه وسلم في الرؤية قال لي : اقرأ القرآن يا أبا عادل وأنا منذ اليوم أصبحت اقرأ القرآن . ركض إلى المسجد وجاء بالمصحف ثم فتحه ، وقال : أشيروا عليَّ في أي صفحة أقرأ لكم .
على هتاف الحضور بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهكذا أصبح أبو عادل قارئاً للقرآن ولم يترك قرأته له من بعد منتصف الليل حتى الفجر الى زماننا هذا ، وفي كل عام في مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم بذبح شاتين ابتهاجاً به المناسبة ويطعم الناس في المسجد .
ولكن إنها الحياة والله تعالى وصفها بقوله : أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ، افتتن الرجل وانصرف إلى الدنيا وأخذ بجمع الأموال للأولاد وزوجته تقول له : يا أبا عادل أذكر عطاء الله لك وكان دائماً يردد .
قالوا تزوج فلا دنياً بلا امرأة
واتق الله واقرأ أي ياسين
فلما تزوجت طاب العيش لي وحلا
وصرت بعد وجود الخير مسكيناً
جاء البنون وجاء الهم يتبعهم
ثم التفت فلا دنيا ولا دينا
فقالت له زوجته يوماً أمام حشد من الناس : ياأبا عادل أين عذوبة نفسك ومرحها وطيبة قلبك الذي وَلدَّ حب أهل القرية جميعاً لك .
وضع يده على وجهه وأخذ بالبكاء وهو يقول : ياليت أمي لم تلدني .
بقى منصرفاً لجمع المال ولكنه لايجمعه إلا من حلال وما غلب على ظنه انه من حلال .
جاءته لحظة إيمانية خشع فيها قلبه لله تعالى ودمعت عيناه واقشعر جلده , ووقف يناجي ربه على هذه السنوات التي ضاعت ولم يؤد فريضة ربه في الحج ، قضى ليلته باكياً .
جلس في الصباح على مائدة الافطار , جاهم الوجه متحير الخاطر لايستطيع أن يتناول طعامه لما أصابه الليلة من الشوق إلى الديار المقدسة .
كانت قسمات وجهه متعبة لم يفارقها النعاس وعيناه قد أحمرتا من البكاء , وأشرقت نفسه ورسمت البسمة على محياه ثم قال : سأذهب إلى الحج هذه السنة مع أمكم يا أولاد .
حمل أوراقه وذهب إلى دائرة السفر والجنسية ليستخرج جوازاً للسفر لغرض التقديم للحج , وقف في طابور الرجال الطويل أمام إحدى نوافذ الدائرة ، حدثنه نفسه , لماذا تذهب وتنفق نقودك وتتعب جسدك وأنت من أنت فلا يوجد في القرية من يقرأ القرآن في الليل غيرك , اعمل بهذه النقود مشروعاًً لأحد أبنائك , فخرج من الطابور وذهب إلى زوجته في طابور النساء .
فقال أرى أن نعود إلى البيت فجذبها من ردائها قائلاً : امشي أمامي عافاك الله وهداك ولا تتكلمي شيئاً .
قالت له زوجته : ما بك يا رجل ؟
قال : لن اذهب إلى الحج في هذا العام .
أخذ يمسح شاربه ويوازن عقاله على رأسه كعادته إذا انتابه شيء من الحرج ، ثم انصرف يمشى بقامته المنتصبة وقد التحف بفروته الطليانية الثمينة التي كان يلبسها في المناسبات , أما زوجته فلم تتمالك نفسها فاجتاحتها سحابة بكاء وغارت عيناها في لجة الدموع المنهمرة .
قالت زوجته : أين قلبك الطهور ونفسك الصافية ونيتك السليمة , وثقتك بربك ويقينك به ؟ أرى أن كل هذا قد اختل فلماذا ياأبا عادل إني أخشى كثيراً عليك بعد اليوم .
خرج عن صمته المشوب بالحذر وأخذ يتكلم عن سنوات من العمر مضت سدى في فقره وعدم احترام الناس, ثم أردف قائلاً : أنا اليوم أملك المال أنا أبو عادل .
عقدت المفاجأة لسان زوجته من قوله هذا ولكنها استطاعت الكلام بعد طول صمت قائلة له : اتق الله لقد أعطاك الله القرآن ورؤية رسول الله ، ثم رزق المال الوافر والاولاد بعد طول انتظار لهم ، يالك من جاحد لعطاء ربك لك فو الله سوف تحرم من هذا الحج طول حياتك خذ المال واخسر إيمانك .
هرع إليه الأبناء ليروا ماذا فعل وأخذوا يطرحون عليه أسئلتهم ولكنه لايجيب , أيقنوا أنه استخرج جوازه , مدت إحدى بناته يدها إلى جيبه وهي تضحك تبحث عن جوازه وتقول له : أين هو أبي دعنا نراه .
صرخ في وجهها وضرب يدها ثم أردف قائلاً : لم أخرجه وصرفت النظر عن الحج .
قال الأولاد : عجباً من أمرك أبي ؟ الست في الصباح قررت الذهاب إلى الحج ؟ يا أبتي إنه الحج لايعد له شيء ؟ ثم مد يده إلى جيبه ليخرج نقوده وهو يدافع ضحكة هادرة ، وهل تراني مجنون أو في إيماني نقص حتى أكمله اعلموا أن إيماني بالله كالجبال , إن الفرق بيني وبين من ذهب إلى الحج هذه الحجية فقط – قطعة قماش توضع على رأس من يذهب إلى الحج – لا أريد الحجية سكت الأبناء ولم يجيبوه ، وبدأ يختلس النظر إلى وجوه أهل الدار ليتخلص من هذا المأزق الذي وضع نفسه فيه .
كثر اللغط في المنزل وعلت الأصوات فقالت له زوجته : ياألله في الصباح تقدم لتؤدي فريضة الله وفي المساء ترد على تنكص عقبيك ويلك لا جزاك الله خيراً على فعلك هذا .
فقال الأبناء: لماذا ياأبتاه ؟
قال : إن هذا المال عادل أحق به من ذهاب إلى الحج سأشتري له سيارة حمل كبير ليعمل بها خيراً من ذهابي إلى حج بيت الله ، إنني مستقيم والحمد الله وأنا حجي وإن لم أحج أمن أجل أن يقال عليّ الحاج ، أخسر هذه النقود الكثيرة ، فوالله لن افعل ذلك أبداً .
كلما عاد ولده (عادل ) من عمله وأوقف سيارته أمام داره يخرج أبو عادل ليقول : أنا في كل يوم أحج بيته .
فترد عليه زوجته : خسرتك حجك وفرقت بين أبنائك , لابارك الله لك , واستمر في قوله هذا في كل مجلس ولا ينجع معه كل دواء ولا يرده أي قول أو تذكير بهذه الفريضة العظيمة إن هذا المشهد يتكرر كثيراً في زماننا هذا في كل أرجاء أرض الإسلام .
هذه حكاية رجل أغرب من الخيال اتصل قلبه بربه عز وجل مؤدياً للفرائض محافظاً على النوافل ، فإذا خرج إلى عمله ذكر من الدعاء ما ذكر وهو يدعو الله أن يفتح عليه رزقه ليعيل أطفاله الصغار .
كان يستيقظ من الليل ليؤدي صلاة الليل حتى صلاة الفجر ثم يصلي في مسجد القرية الصغير الملاصق لداره ثم ينطلق إلى عمله وفي بعض الأحيان ينطلق قبل ذلك الموعد بقليل .
وفي ليلة باردة طويلة من ليالي الشتاء وبعد أن توضأ قام يصلي الليل كعادته وضاق صدره من فقره الذي جعل حياته لا تطاق وجعل داره الواسعة ضيقةً عليه ، كأنها جحر ضبٍ وهوائها العليل كأنه يتنفس فيه من خرم إبرة لا غير .
دخل المسجد فرأى المصحف الشريف يعلوه التراب وكأنه لم يُقرأ فيه منذ أشهر هزه الأمر وقال : ويحهم يعرفون القراءة والكتابة ولا يقرؤون كلام الله فأخذ ينفض التراب عنه ويدعو الله تعالى أن يرزقه قراءة كتابه ، فتح المصحف وأخذ ينظر إليه والدموع تنهمر من عينيه حتى بللت ثوبه .
أخذته إغفاءة من نوم وسقط رأسه على المصحف ، رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نومه هذا وهو يقول له : أتحب أن تقرأ القرآن يا أبا عادل .
قال : نعم أمنيتي في الحياة ولا أمنية لي سواها .
قال : يا أبا عادل قم واقرأ القرآن .
قال : أنا لا أعرف القراءة ، من أنت أيها الرجل الطيب فسيماك سيماء الصالحين.
فقال له : ويلك يا أبا عادل أما عرفتني أنا الذي تصلي عليه ألفاً مرة قبل أن تنام.
قال مسرعاً متشوقاً أنت حبيبي رسول الله فوالله إني لأحبك يارسول الله أكثر من نفسي وأهلي .
استيقظ الرجل من نومه مذهولاً يالها من رؤية لو كانت صادقة ، أخذ ينظر إلى المصحف الذي أمامه وإذا به يجيد القراءة والكتابة فأخذ يبكي بكاءً شديداً وهو يصلي على رسول صلى الله عليه وسلم ويقول روحي فداء لك يارسول الله .
جاء إمام القرية إلى المسجد ورآه يقرأ القرآن ويبكي .
قال : يا أبا عادل أراك تفتح المصحف وتقرأ فيه وأنت لا تجيد القراءة والكتابة ؟
قال أبو عادل : علمني الذي علمك ؟
ثم ضحك وخرج مسرعاً إلى بيته ليخبر زوجته ، أيقظها من نومها فاخبرها .
قالت : نم ياأبا عادل رؤية خير إن شاء الله .
قال: يا امرأة إنها حقا أنا اقرأ كتاب الله .
فقالت له : اكتم ذلك ولا تخبر به أحداً فإني أخشى عليك من الحسد .
فلما سمع نداء الفجر فتح باب داره وخرج منه مسرعاً فرحاً لهذا العطاء الرباني وهو يرد الأذان مع المؤذن .
ثم قال لإمام المسجد : أنت مدعو اليوم عندي بعد صلاة الظهر .
فقال الإمام : ما المناسبة قال سأخبرك في حينها .
قام بذبح خروفين بعد أن استدانهما من أحد الرعاة وقام بوليمة لأهل القرية ، فلما حضروا ، قالوا له : ما المناسبة .
قال أبو عادل : إنها قصة أعجب من الخيال أرجوكم صدقوني ولا تكذبوني فانا لا أكذب والله جاءني الرسول صلى الله عليه وسلم في الرؤية قال لي : اقرأ القرآن يا أبا عادل وأنا منذ اليوم أصبحت اقرأ القرآن . ركض إلى المسجد وجاء بالمصحف ثم فتحه ، وقال : أشيروا عليَّ في أي صفحة أقرأ لكم .
على هتاف الحضور بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهكذا أصبح أبو عادل قارئاً للقرآن ولم يترك قرأته له من بعد منتصف الليل حتى الفجر الى زماننا هذا ، وفي كل عام في مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم بذبح شاتين ابتهاجاً به المناسبة ويطعم الناس في المسجد .
ولكن إنها الحياة والله تعالى وصفها بقوله : أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ، افتتن الرجل وانصرف إلى الدنيا وأخذ بجمع الأموال للأولاد وزوجته تقول له : يا أبا عادل أذكر عطاء الله لك وكان دائماً يردد .
قالوا تزوج فلا دنياً بلا امرأة
واتق الله واقرأ أي ياسين
فلما تزوجت طاب العيش لي وحلا
وصرت بعد وجود الخير مسكيناً
جاء البنون وجاء الهم يتبعهم
ثم التفت فلا دنيا ولا دينا
فقالت له زوجته يوماً أمام حشد من الناس : ياأبا عادل أين عذوبة نفسك ومرحها وطيبة قلبك الذي وَلدَّ حب أهل القرية جميعاً لك .
وضع يده على وجهه وأخذ بالبكاء وهو يقول : ياليت أمي لم تلدني .
بقى منصرفاً لجمع المال ولكنه لايجمعه إلا من حلال وما غلب على ظنه انه من حلال .
جاءته لحظة إيمانية خشع فيها قلبه لله تعالى ودمعت عيناه واقشعر جلده , ووقف يناجي ربه على هذه السنوات التي ضاعت ولم يؤد فريضة ربه في الحج ، قضى ليلته باكياً .
جلس في الصباح على مائدة الافطار , جاهم الوجه متحير الخاطر لايستطيع أن يتناول طعامه لما أصابه الليلة من الشوق إلى الديار المقدسة .
كانت قسمات وجهه متعبة لم يفارقها النعاس وعيناه قد أحمرتا من البكاء , وأشرقت نفسه ورسمت البسمة على محياه ثم قال : سأذهب إلى الحج هذه السنة مع أمكم يا أولاد .
حمل أوراقه وذهب إلى دائرة السفر والجنسية ليستخرج جوازاً للسفر لغرض التقديم للحج , وقف في طابور الرجال الطويل أمام إحدى نوافذ الدائرة ، حدثنه نفسه , لماذا تذهب وتنفق نقودك وتتعب جسدك وأنت من أنت فلا يوجد في القرية من يقرأ القرآن في الليل غيرك , اعمل بهذه النقود مشروعاًً لأحد أبنائك , فخرج من الطابور وذهب إلى زوجته في طابور النساء .
فقال أرى أن نعود إلى البيت فجذبها من ردائها قائلاً : امشي أمامي عافاك الله وهداك ولا تتكلمي شيئاً .
قالت له زوجته : ما بك يا رجل ؟
قال : لن اذهب إلى الحج في هذا العام .
أخذ يمسح شاربه ويوازن عقاله على رأسه كعادته إذا انتابه شيء من الحرج ، ثم انصرف يمشى بقامته المنتصبة وقد التحف بفروته الطليانية الثمينة التي كان يلبسها في المناسبات , أما زوجته فلم تتمالك نفسها فاجتاحتها سحابة بكاء وغارت عيناها في لجة الدموع المنهمرة .
قالت زوجته : أين قلبك الطهور ونفسك الصافية ونيتك السليمة , وثقتك بربك ويقينك به ؟ أرى أن كل هذا قد اختل فلماذا ياأبا عادل إني أخشى كثيراً عليك بعد اليوم .
خرج عن صمته المشوب بالحذر وأخذ يتكلم عن سنوات من العمر مضت سدى في فقره وعدم احترام الناس, ثم أردف قائلاً : أنا اليوم أملك المال أنا أبو عادل .
عقدت المفاجأة لسان زوجته من قوله هذا ولكنها استطاعت الكلام بعد طول صمت قائلة له : اتق الله لقد أعطاك الله القرآن ورؤية رسول الله ، ثم رزق المال الوافر والاولاد بعد طول انتظار لهم ، يالك من جاحد لعطاء ربك لك فو الله سوف تحرم من هذا الحج طول حياتك خذ المال واخسر إيمانك .
هرع إليه الأبناء ليروا ماذا فعل وأخذوا يطرحون عليه أسئلتهم ولكنه لايجيب , أيقنوا أنه استخرج جوازه , مدت إحدى بناته يدها إلى جيبه وهي تضحك تبحث عن جوازه وتقول له : أين هو أبي دعنا نراه .
صرخ في وجهها وضرب يدها ثم أردف قائلاً : لم أخرجه وصرفت النظر عن الحج .
قال الأولاد : عجباً من أمرك أبي ؟ الست في الصباح قررت الذهاب إلى الحج ؟ يا أبتي إنه الحج لايعد له شيء ؟ ثم مد يده إلى جيبه ليخرج نقوده وهو يدافع ضحكة هادرة ، وهل تراني مجنون أو في إيماني نقص حتى أكمله اعلموا أن إيماني بالله كالجبال , إن الفرق بيني وبين من ذهب إلى الحج هذه الحجية فقط – قطعة قماش توضع على رأس من يذهب إلى الحج – لا أريد الحجية سكت الأبناء ولم يجيبوه ، وبدأ يختلس النظر إلى وجوه أهل الدار ليتخلص من هذا المأزق الذي وضع نفسه فيه .
كثر اللغط في المنزل وعلت الأصوات فقالت له زوجته : ياألله في الصباح تقدم لتؤدي فريضة الله وفي المساء ترد على تنكص عقبيك ويلك لا جزاك الله خيراً على فعلك هذا .
فقال الأبناء: لماذا ياأبتاه ؟
قال : إن هذا المال عادل أحق به من ذهاب إلى الحج سأشتري له سيارة حمل كبير ليعمل بها خيراً من ذهابي إلى حج بيت الله ، إنني مستقيم والحمد الله وأنا حجي وإن لم أحج أمن أجل أن يقال عليّ الحاج ، أخسر هذه النقود الكثيرة ، فوالله لن افعل ذلك أبداً .
كلما عاد ولده (عادل ) من عمله وأوقف سيارته أمام داره يخرج أبو عادل ليقول : أنا في كل يوم أحج بيته .
فترد عليه زوجته : خسرتك حجك وفرقت بين أبنائك , لابارك الله لك , واستمر في قوله هذا في كل مجلس ولا ينجع معه كل دواء ولا يرده أي قول أو تذكير بهذه الفريضة العظيمة إن هذا المشهد يتكرر كثيراً في زماننا هذا في كل أرجاء أرض الإسلام .