دور المرأة في نصرة الإسلام
قص علينا القرآن الكريم في سورة القصص سيرة نبي الله موسى عليه السلام ففي هذه السورة الكريمة بين الله سبحانه وتعالى دور المرأة في نصرة الإسلام وإعلاء كلمة الله تعالى وتثبيت أوليائه فلو تأملنا هذه السورة لوجدنا أن الله تعالى وكلَّ العناية بهذا النبي الكريم للنساء، ولم يجعل للرجال في ذلك نصيب فالنساء كُنَّا سبباً للنجاة وسبباً في توفير الرزق والإنقاذ من الهلاك فنحن نرى القرآن الكريم ، ذكر الأم ولم يذكر الأب ، وذكر الأخت ولم يذكر الأخ ، ليبين لنا ولنسائنا ، إن للنساء دور عظيم في بناء المجتمع وفي نصرة الدين ، فانتبهوا إليهن أيها المسلمون واعدوا منهن الكثير لنصرة هذا الدين ولإعداد من يحمل راية الإسلام ، وتبيت الرجال أيام المحن والشدائد .
المرأة الأولى : أم موسى عليه السلام :
وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7)
فوضعته في التابوت وألقته في اليم وسار التابوت بعناية الله ورعايته وكنفه وحفظه لم يمسسه سوء ، إنها عظمة الإيمان والصدق لدى أم موسى عليه السلام ، إنه اليقين الصادق ، وحسن التوكل على الله ، فحرس الله رضيعها بعينه التي لا تنام واكنفه بالكنف الذي لا يضام ، وادخله في الحصن الذي لا يرام وجعل عاقبة أمره دار السلام فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف:64] .
المرأة الثانية : زوجة فرعون :
فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ ( وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9) ويقع موسى بيد فرعون وهامان وجنودهما ، فيعتنون به أشد العناية ، ياالله .. ما أعظم يارب ، ما أعظمك من إله ، الهي ماعبدك العابدون مهما عبدوا ، ولا عرفك العارفون مهما عرفوا ، ولا وحدك الموحدون مهما وحدّوا ، ولا وصفك الواصفون مهما وصفوا .. فما أرحمك من إله وماحناك علينا .
المرأة الثالثة : أخت موسى عليه السلام :
وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11) وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12) فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (13)
فسبحانك ما ألطفك بموسى وما ألطفك بنا وما اقل حياءنا منك ولكن فعلك معنا كما ترضاه هو الذي صير فعلنا كما تراه فجودك العزيز هو الذي عودنا التقصير فكم عصيناك فأكرمتنا وكم بارزناك فأمهلتنا ومع هذا كلما سألناك أعطيتنا ، فجودك المديد يارب هو الذي أنسانا بطشك الشديد .
المرأة الرابعة : زوجة موسى عليه السلام :
وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22) وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) .
ففي قول هذه المرأة توفر لموسى عليه السلام فرصة العمل والزواج ليكون فيما بعد أسرة صالحة مؤمنة تدعو إلى الله: قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28)
المرأة الخامسة : ماشطة ابنة فرعون :
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لما أسري بي مرت بي رائحة طيبة فقلت : ما هذه الرائحة ؟ فقالوا : هذه رائحة ماشطة ابنة فرعون و أولادها كانت تمشطها فوقع المشط من يدها فقالت : بسم الله فقالت ابنته أبي فقالت : لا بل ربي و ربك و رب أبيك فقالت : أخبر بذلك أبي قالت : نعم فأخبرته فدعا بها و بولدها فقالت لي : إليك حاجة ؟ فقال : ما هي ؟ قالت تجمع عظامي و عظام ولدي فتدفنه جميعا فقال : ذلك لك علينا من الحق فأتى بأولادها فألقي واحداً واحداً حتى إذا كان آخر ولدها و كان صبياً مرضعاً ـ هنا أخذها نوع من الإشفاق على الرضيع الذي تلَّ من يديها عنوة وقطرات الحليب في فمه وعلى ثيابه قطرات من دموعها وفي يده خصلات من شعرها ، فكأنها تقاعست من أجله ـ فقال لها : اصبري يا أماه فإنك على الحق ثم ألقيت مع مات .
فانظر أخي المسلم إلى هذا الثبات ، امرأة تواجه فرعون بهذا العزم وتواجه الموت بهذه الشجاعة ، إنه اليقين ، إنه الإيمان ، إنه الرغبة الصادقة فيما عند الله ، لقد واجهت العذاب بثبات ولسان حالها يقول :
يارب رضاك خير من الدنيا ومافيها
يامالك النفس قاصيها ودانيها
فليس للروح آمال تحققها
سوى رضاك فذا أقصى أمانيها
فنظرة منك ياسؤلي ويا أملي
خير من الدنيا ومافيها
إنه الثبات في أسمى صوره وأحلى معانيه فهو منحة إلهية وقوة ربانية يقفذفها رب البرية تبارك وتعالى في قلب من يشاء من عباده ، لذا لجأ إليه النبيون وتوجه إليه الصالحون يسألونه الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد ، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل ربه الثبات : يامثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك ، وحكى القرآن العظيم عن المؤمنين أن من دعائهم رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ( [ آل عمران : 8] ولقد سجل الصالحون عبر العصور مواقف رائعة تدل على عمق إيمانهم وشدة رغبتهم فيما عند ربهم ومن هذه المواقف موقف أسيا بنت مزاحم :
فلما رأت "آسية بنت مزاحم" ما صنع فرعون بالماشطة، قالت: وكيف يسعني أن أصبر على ما يأتي به فرعون، وأنا مسلمة وهو كافر؟ فبينما هي كذلك تؤامر نفسها إذ دخل عليها فرعون فجلس قريبًا منها، فقالت: يا فرعون أنت شرّ، الخلق وأخبثهم عمدت إلى الماشطة فقتلتها، قال: فلعل بك الجنون الذي كان بها قالت: ما بي من جنون، وإن إلهي وإلهها وإلهك وإله السماوات والأرض واحد لا شريك له، فمزق عليها ثيابها وضربها وأرسل إلى أبويها فدعاهما، فقال لهما: ألا تريان أن الجنون الذي كان بالماشطة أصابها؟ قالت: أعوذ بالله من ذلك، إني أشهد أن ربي وربَّك ورب السماوات والأرض واحدٌ لا شريك له، فقال لها أبوها: يا آسية ألست من خير نساء العماليق ، وزوجك إله العماليق؟ قالت أعوذ بالله من ذلك، إن كان ما يقول حقا فقولا له أن يتوجني تاجًا تكون الشمس أمامه والقمر خلفه والكواكب حوله، فقال لهما فرعون: اخرجا عني، فمدَّها بين أربعة أوتاد يعذبها، ففتح الله لها بابا إلى الجنة ليهون عليها ما يصنع بها فرعون، فعند ذلك قالت: رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ[التحريم:11] فقبض الله روحها وأسكنها الجنة .
قص علينا القرآن الكريم في سورة القصص سيرة نبي الله موسى عليه السلام ففي هذه السورة الكريمة بين الله سبحانه وتعالى دور المرأة في نصرة الإسلام وإعلاء كلمة الله تعالى وتثبيت أوليائه فلو تأملنا هذه السورة لوجدنا أن الله تعالى وكلَّ العناية بهذا النبي الكريم للنساء، ولم يجعل للرجال في ذلك نصيب فالنساء كُنَّا سبباً للنجاة وسبباً في توفير الرزق والإنقاذ من الهلاك فنحن نرى القرآن الكريم ، ذكر الأم ولم يذكر الأب ، وذكر الأخت ولم يذكر الأخ ، ليبين لنا ولنسائنا ، إن للنساء دور عظيم في بناء المجتمع وفي نصرة الدين ، فانتبهوا إليهن أيها المسلمون واعدوا منهن الكثير لنصرة هذا الدين ولإعداد من يحمل راية الإسلام ، وتبيت الرجال أيام المحن والشدائد .
المرأة الأولى : أم موسى عليه السلام :
وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7)
فوضعته في التابوت وألقته في اليم وسار التابوت بعناية الله ورعايته وكنفه وحفظه لم يمسسه سوء ، إنها عظمة الإيمان والصدق لدى أم موسى عليه السلام ، إنه اليقين الصادق ، وحسن التوكل على الله ، فحرس الله رضيعها بعينه التي لا تنام واكنفه بالكنف الذي لا يضام ، وادخله في الحصن الذي لا يرام وجعل عاقبة أمره دار السلام فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف:64] .
المرأة الثانية : زوجة فرعون :
فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ ( وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9) ويقع موسى بيد فرعون وهامان وجنودهما ، فيعتنون به أشد العناية ، ياالله .. ما أعظم يارب ، ما أعظمك من إله ، الهي ماعبدك العابدون مهما عبدوا ، ولا عرفك العارفون مهما عرفوا ، ولا وحدك الموحدون مهما وحدّوا ، ولا وصفك الواصفون مهما وصفوا .. فما أرحمك من إله وماحناك علينا .
المرأة الثالثة : أخت موسى عليه السلام :
وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11) وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12) فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (13)
فسبحانك ما ألطفك بموسى وما ألطفك بنا وما اقل حياءنا منك ولكن فعلك معنا كما ترضاه هو الذي صير فعلنا كما تراه فجودك العزيز هو الذي عودنا التقصير فكم عصيناك فأكرمتنا وكم بارزناك فأمهلتنا ومع هذا كلما سألناك أعطيتنا ، فجودك المديد يارب هو الذي أنسانا بطشك الشديد .
المرأة الرابعة : زوجة موسى عليه السلام :
وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22) وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) .
ففي قول هذه المرأة توفر لموسى عليه السلام فرصة العمل والزواج ليكون فيما بعد أسرة صالحة مؤمنة تدعو إلى الله: قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28)
المرأة الخامسة : ماشطة ابنة فرعون :
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لما أسري بي مرت بي رائحة طيبة فقلت : ما هذه الرائحة ؟ فقالوا : هذه رائحة ماشطة ابنة فرعون و أولادها كانت تمشطها فوقع المشط من يدها فقالت : بسم الله فقالت ابنته أبي فقالت : لا بل ربي و ربك و رب أبيك فقالت : أخبر بذلك أبي قالت : نعم فأخبرته فدعا بها و بولدها فقالت لي : إليك حاجة ؟ فقال : ما هي ؟ قالت تجمع عظامي و عظام ولدي فتدفنه جميعا فقال : ذلك لك علينا من الحق فأتى بأولادها فألقي واحداً واحداً حتى إذا كان آخر ولدها و كان صبياً مرضعاً ـ هنا أخذها نوع من الإشفاق على الرضيع الذي تلَّ من يديها عنوة وقطرات الحليب في فمه وعلى ثيابه قطرات من دموعها وفي يده خصلات من شعرها ، فكأنها تقاعست من أجله ـ فقال لها : اصبري يا أماه فإنك على الحق ثم ألقيت مع مات .
فانظر أخي المسلم إلى هذا الثبات ، امرأة تواجه فرعون بهذا العزم وتواجه الموت بهذه الشجاعة ، إنه اليقين ، إنه الإيمان ، إنه الرغبة الصادقة فيما عند الله ، لقد واجهت العذاب بثبات ولسان حالها يقول :
يارب رضاك خير من الدنيا ومافيها
يامالك النفس قاصيها ودانيها
فليس للروح آمال تحققها
سوى رضاك فذا أقصى أمانيها
فنظرة منك ياسؤلي ويا أملي
خير من الدنيا ومافيها
إنه الثبات في أسمى صوره وأحلى معانيه فهو منحة إلهية وقوة ربانية يقفذفها رب البرية تبارك وتعالى في قلب من يشاء من عباده ، لذا لجأ إليه النبيون وتوجه إليه الصالحون يسألونه الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد ، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل ربه الثبات : يامثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك ، وحكى القرآن العظيم عن المؤمنين أن من دعائهم رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ( [ آل عمران : 8] ولقد سجل الصالحون عبر العصور مواقف رائعة تدل على عمق إيمانهم وشدة رغبتهم فيما عند ربهم ومن هذه المواقف موقف أسيا بنت مزاحم :
فلما رأت "آسية بنت مزاحم" ما صنع فرعون بالماشطة، قالت: وكيف يسعني أن أصبر على ما يأتي به فرعون، وأنا مسلمة وهو كافر؟ فبينما هي كذلك تؤامر نفسها إذ دخل عليها فرعون فجلس قريبًا منها، فقالت: يا فرعون أنت شرّ، الخلق وأخبثهم عمدت إلى الماشطة فقتلتها، قال: فلعل بك الجنون الذي كان بها قالت: ما بي من جنون، وإن إلهي وإلهها وإلهك وإله السماوات والأرض واحد لا شريك له، فمزق عليها ثيابها وضربها وأرسل إلى أبويها فدعاهما، فقال لهما: ألا تريان أن الجنون الذي كان بالماشطة أصابها؟ قالت: أعوذ بالله من ذلك، إني أشهد أن ربي وربَّك ورب السماوات والأرض واحدٌ لا شريك له، فقال لها أبوها: يا آسية ألست من خير نساء العماليق ، وزوجك إله العماليق؟ قالت أعوذ بالله من ذلك، إن كان ما يقول حقا فقولا له أن يتوجني تاجًا تكون الشمس أمامه والقمر خلفه والكواكب حوله، فقال لهما فرعون: اخرجا عني، فمدَّها بين أربعة أوتاد يعذبها، ففتح الله لها بابا إلى الجنة ليهون عليها ما يصنع بها فرعون، فعند ذلك قالت: رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ[التحريم:11] فقبض الله روحها وأسكنها الجنة .