الإسلام والطموح
يظن كثيراً من المسلمين أن المسلم الملتزم العابد يجب عليه أن لا يجمع المال ولا يبحث عن الولد أو عن الجاه أو عن الملك أو عن المنصب ، ويطنون أن المسلم يجب أن يكون فقيراً يلبس الملابس الرديئة ولا يأكل الطيب من الطعام ولا يستلذ بالحياة فإذا رأوه يعيش كما يعيش الناس انتقدوه ورموه وعابوه ويجب عليه أن يزهد في الدنيا كل الزهد ماهذا الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم تعالوا معي إلى كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم كي نتعرف على الإسلام وعلى مايصح للمسلم من طموح :
أولا : الملك :
فلنا في قصة داود وسليمان عليهما السلام لعبرة :
داود والملك :
َ يادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26) [ص :26]
روى مسلم رقم (4879 ) عن أبى حازم قال قاعدت أبا هريرة خمس سنين فسمعته يحدث عن النبى صلى الله عليه وسلم قال « كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبى خلفه نبى وإنه لا نبى بعدى وستكون خلفاء فتكثر ». قالوا فما تأمرنا قال : « فوا ببيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم ».
سليمان والملك :
وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ [ النمل : 16] وورث الملك العظيم وورث النبوة ولكن رغم هذا الملك ورغم النبوة العظيمة تطلعت نفسه الى سيء له خاصة وطموح مشروع قال : رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) [ سورة ص : 35 ] فالله سبحانه وتعالى لم يعاتبه على تطلعه هذا وقال له : قف عند ماقسم الله لك ، بل استجاب الله ، واتاه مالم يأتي أحداً قبله وبعده ، قال تعالى : فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (40)[ سورة ص : 36-39 ] .
ثانياً : الرئاسة الدنيوية :
هذا وقد سأل الولاية بعض الأنبياء المصطفين عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام حينما رأوا أنهم أكفأ من يقوم بها ، ولخطورة ما يترتب عليها لو وضعت في يد غير أمينة ، فهذا يوسف عليه السلام عندما خرج من السجن وأنعم الله عليه من الحرية لم يقف عند هذا إنما تطلعت نفسه إلى الملك ولم يقنع بما قسم الله له ذلك فنراه : قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) [يوسف:55] . قال القاسمي في تفسيره : أي : ولني خزائن أرضك . يعني جميع الغلات لما يستقبلونه من السنين التي أخبرهم بشأنها ، فيتصرف لهم على الوجه الأرشد والأصلح ، ثم بين اقتداره في ذلك فقال : إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ أي : أمين أحفظ ما تستحفظنيه ، عالم بوجوه التصرف فيه .
قال الزمخشري : وصف نفسه بالأمانة والكفاية اللتين هم طلبة الملوك ممن يولونه .
وإنما قال ذلك ليتوصل إلى إمضاء أحكام الله تعالى ، وإقامة الحق ، وبسط العدل . والتمكن مما لأجله تبعث الأنبياء إلى العباد ، ولعلمه أن أحداً غيره لا يقوم مقامه في ذلك ، فطلب التولية ابتغاء وجه الله ، لا لحب الملك والدنيا .
فححق الله له ماراد من تمكين وسلطان في الأرض فنرى الله سبحانه وتعالى يخبر عن يوسف عليه السلام وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56) [يوسف:56].
فقال يوسف عليه السلام بعد أن آل الأمر إليه : رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101 [ يوسف : 101]. فيوسف عليه السلام قال ( من الملك ) ولم يقل الملك لأنه كان الوزير وليس الملك .
ثالثاً الذرية :
ورد في الكتاب الكريم والسنة المطهرة ، من التحبب في طلب الذرية الصالحة ، والحث على التكاثر في النسل ، بما يحقق الغرض الأسمى من الزواج ، والمتمثل في استمرار النوع البشري ، وإنجاب الذرية ، ودوام عمارة الإنسان للأرض ، التي هي من الغايات الأساسية التي خلقه الله من أجلها ، قال تعالى : الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا الكهف / 46، وقال تعالى : زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ [ آل عمران / 14 ].
وحكى سبحانه على لسان زكريا عليه السلام أنه كان يتوجه إلى ربه بهذا الدعاء : رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (3) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (4) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا [ مريم / 4 - 6 ]، وقال تعالى على لسان إبراهيم : رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ [إبراهيم / 40] ، وذكر أن طلب الذرية الصالحة من أمنيات المؤمنين ، بل هو صفة من صفاتهم . وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [الفرقان / 74].
وحتى الملائكة ، إذا أرادت الاستغفار للمؤمن ، استغفرت له ولزوجه ولأولاده ، وهذا فضل من أفضال الله على عباده المؤمنين : الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ، رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ [غافر / 7 - 8 ].
فقد بينت الآيات الكريمات أن البنين من متع الحياة الدنيا وزينتها ، وأن طلب النسل من الأمور التي حببها الله إلى خلقه ، وطبعهم على ابتغائه ، وجعله جبلة فطرية فيهم ، كما وجعله أمنية أجراها على لسان رسله وأنبيائه ، وبغية للمؤمنين يحرصون على إدامة الدعاء في طلبها .
وفي السنة المطهرة : عن معقل بن يسار قال : « جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : إني أصبت امرأة ذات حسب وجمال ، وإنها لا تلد ، أفأتزوجها ؟ قال : لا ، ثم أتاه الثانية ، فنهاه ، ثم أتاه الثالثة ، فقال : تزوجوا الودود الولود ، فإني مكاثر بكم الأمم رواه مسلم برقم ( 1395 )
رابعاً : الإمامة في الدين :
إن الرياسة الدنيوية مما يجب أن تطلب ويرغب فيها لا للفخر ولكن لعظم نفع الناس بها ولتحصيل أجرها قال الشافعي رحمه الله تعالى : ( بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين ) .
قال تعالى :الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) [الفرقان : 74] ،قال القفال وغيره من المفسرين : إن في الآية دليل على أن طلب الرياسة في الدين واجب ، و يقول سيد قطب في تفسيره الظلال : (وهذا هو الشعور الفطري الإيماني العميق : شعور الرغبة في مضاعفة السالكين في الدرب إلى الله . وفي أولهم الذرية والأزواج ، فهم أقرب الناس تبعة وهم أول أمانة يسأل عنها الرجال . والرغبة كذلك في أن يحس المؤمن أنه قدوة للخير ، يأتم به الراغبون في الله . وليس في هذا من أثرة ولا استعلاء فالركب كله في الطريق إلى الله .
فذكرهم الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم مادحاً لهم رغم تطلعهم للرئاسة الدينية فهم يريدون أن يكونوا قدوة للأمة ومن حملة مشعل الهداية إليها ).
وقوله: وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا أي هداة مهتدين دعاة إلى الخير، فأحبوا أن تكون عبادتهم متصلة بعبادة أولادهم وذرياتهم، وأن يكون هداهم متعديًا إلى غيرهم بالنفع، وذلك أكثر ثوابًا وأحسن مآبا.
ولهذا ثبت في «صحيح مسلم» عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: ولد صالح يدعو له، أو علم ينتفع به من بعده، أو صدقة جارية».
وقيل: أئمة يقتدى بنا في الخير، وإقامة مراسيم الدين بإفاضة العلم والتوفيق للعلم، وهذه الدرجة العالية التي سألوها هي درجة الصديقين والكُمَّلِ مِن عِباد الله الصالحين وهي درجة الإمامة في الدين وأن يكونوا قدوة للمتقين في أقوالهم وأفعالهم، يقتدى بأفعالهم ويطمئن لأقوالهم.
وليس هذا فحسب بل يريدون أن تمتد هذه الإمامة إلى أبنائهم فهذا نبي الله إبراهيم عليه السلام رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40) [ إبراهيم: 40].وقال تعالى : وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124) [البقرة : 124] يقول سيد قطب : إماماً يتخذونه قدوة ، ويقودهم إلى الله ، ويقدمهم إلى الخير ، ويكونون له تبعاً ، وتكون له فيهم قيادة .عندئذ تدرك إبراهيم فطرة البشر : الرغبة في الامتداد عن طريق الذراري والأحفاد . ذلك الشعور الفطري العميق ، الذي أودعه الله فطرة البشر لتنمو الحياة وتمضي في طريقها المرسوم ، ويكمل اللاحق ما بدأه السابق ، وتتعاون الأجيال كلها وتتساوق . . ذلك الشعور الذي يحاول بعضهم تحطيمه أو تعويقه وتكبيله؛ وهو مركوز في أصل الفطرة لتحقيق تلك الغاية البعيدة المدى . وعلى أساسه يقرر الإسلام شريعة الميراث ، تلبية لتلك الفطرة ، وتنشيطاً لها لتعمل ، ولتبذل أقصى ما في طوقها من جهد . وما المحاولات التي تبذل لتحطيم هذه القاعدة إلا محاولة لتحطيم الفطرة البشرية في أساسها؛ وإلا تكلف وقصر نظر واعتساف في معالجة بعض عيوب الأوضاع الاجتماعية المنحرفة . وكل علاج يصادم الفطرة لا يفلح ولا يصلح ولا يبقى . وهناك غيره من العلاج الذي يصلح الانحراف ولا يحطم الفطرة ).
ولما جعل الله إبراهيم إماماً ، فسأل الله أن تكون الإمامة من بعده في ذريته فأجيب إلى ذلك والدليل على انه أجيب إلى طلبه قوله تعالى وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (27) [العنكبوت : 7] . فكل نبي ارسله الله تعالى وكل كتاب انزله الله تعالى بعد دعوة إبراهيم كان في ذريته صلوات الله وسلامه عليه.
وقد أوضح ابن القيم رحمه الله تعالى ذلك فقال : " الفرق بين حب الرياسة ، وحب الإمارة للدعوة إلى الله ، هو الفرق بين تعظيم أمر الله والنصح له ، وتعظيم النفس والسعي في حظها ، فإن الناصح لله المعظم له المحبّ له يحبُّ أن يُطاع ربُّه فلا يُعصى ، وأن تكون كلمة الله هي العليا ، وأن يكون الدين كله لله ، وأن يكون العباد ممتثلين أوامره مجتنبين نواهيه ، فقد ناصح الله في عبوديته ، وناصح خلقه في الدعوة إلى الله ، فهو يحبُّ الإمامة في الدين ، بل يسأل ربه أن يجعله للمتقين إماماً يقتدي به المتقون ، كما اقتدى هو بالمتقين ، فإذا أحب هذا العبد الداعي إلى الله أن يكون في أعينهم جليلاً وفي قلوبهم مهيباً وإليهم حبيباً ؛ لكي يأتموا به ويقتفوا أثر الرسول علي يده ، لم يضره ذلك بل يحمد عليه ؛ لأنه داعٍ إلى الله يحبُّ أن يطاع ويعبد ويوحّد ، وهذا بخلاف طلب الرياسة ، فإن طلابها يسعون تحصيلها لينالوا أغراضهم من العلو في الأرض ، وتعبد القلوب لهم ، وميلهم إليهم ، ومساعدتهم لهم على جميع أغراضهم مع كونهم عالين عليهم قاهرين لهم ، فترتب على هذا المطلب من المفاسد ما لا يعلمه إلا الله ، من البَغْي والحسد والطغيان والحقد والظلم ولفتنة .... إلى آخر ما قاله رحمه الله " [ ينظر: الروح ص 432- 433 ]
خامساً: المال :
طلب المال في الإسلام ليس بمحرم سواء كان هذا الطلب عن طريق الدعاء أو عن طريق الكسب اليومي ولكن على الفرد المسلم أن يؤدي حقه :
وفي البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو على المنبر، وذكر الصدقة والتعفف عن المسألة: "اليد العليا خير من اليد السفلى، والعليا هي المنفقة والسفلى هي السائلة".وفي البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحدا فيعطيه أو يمنعه". وفي البخاري عن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أكل أحد طعاما خيرا له من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده". وفي البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بينما أيوب يغتسل عريانا، خر عليه رجل جراد من ذهب، فجعل يحثي في ثوبه فناداه ربه: يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى؟ قال: بلى يا رب، ولكن لا غنى لي عن بركتك". وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "نعم المال الصالح للرجل الصالح".
فالزهد لا ينافى أن يكون الإنسان عظيم الثروة وافر المال مع معرفته بحق الله عليه ، وحق الفقراء وغيرهم فى ماله ، لقد كان أبو بكر رضى الله عنه من كبار الأغنياء ، وأنفق أكثر أمواله فى سبيل الدعوة ، وفيه قال النبى صلى الله عليه وسلم كما رواه الترمذى "ما نفعنى مال أحد ما نفعنى مال أبى بكر" .
وعثمان بن عفان رضى الله عنه جهز غزوة العسرة"تبوك " من ماله ، وسر النبى صلى الله عليه وسلم بما قدمه وقال : "ما ضر عثمان ما يفعل بعد هذا اليوم ، غفر الله لك يا عثمان ما أسررت وما أعلنت وما هو كائن إلى يوم القيامة " .
وتبرع عثمان رضي الله عنه أيضاً بتجارته للفقراء عام القحط ولم يستجب لإغراء التجار له بالربح الوفير، وعبد الرحمن بن عوف رضى اللّه عنه أنفق كثيراً وقال له النبى صلى الله عليه وسلم : "بارك الله لك فيما أعطيت وفيما أمسكت " إلى غير ذلك من النماذج الغنية التى لم يقل الرسول عنها إنها غير زاهدة فى الدنيا ، بل أثنى عليها خيراً .
وكان الصحابة يحرصون على دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم بكثرة المال مع البركة والولد مع البركة ، روى البخاري ( 6344) عن أنس رضي الله عنه دخل النبي صلى الله عليه وسلم على أم سليم فأتته بتمر وسمن قال أعيدوا سمنكم في سقائه وتمركم في وعائه فإني صائم ثم قام إلى ناحية من البيت فصلى غير المكتوبة فدعا لأم سليم وأهل بيتها فقالت أم سليم يا رسول الله إن لي خويصة قال ما هي قالت خادمك أنس فما ترك خير آخرة ولا دنيا إلا دعا لي به قال اللهم ارزقه مالاً وولدا وبارك له فيه فإني لمن أكثر الأنصار مالاً.
عن أبي خيثمة قلت يا رسول الله أكتب لي أرض كذا وكذا لم يكن ظهر عليها حينئذ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ألا تسمعون إلى ما يقول هذا قال أبو ثعلبة والذي نفسي بيده لتظهرن عليها يا رسول الله قال فكتب له بها.
أنظر إلى الثقة بوعد الله عزوجل بنصر نبيه ومع ذلك لم يقل له الرسول صلى الله عليه وسلم ماهذا الطمع ياأبا ثعلبة هذه الأرض لم يدخلها الإسلام ولم تفتح بعد وهي في غير بلاد المسلمين أنت في مكة وهي في الشام بل وهبه الرسول صلى الله عليه وسلم تلك الأرض .
سادساً: المقام المحمود :
أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79) وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (80) وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81) [الإسراء: 78-81] .
روى مسلم ( 875) عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم يقول « إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا على فإنه من صلى على صلاة صلى الله عليه بها عشراً ثم سلوا الله لى الوسيلة فإنها منزلة فى الجنة لا تنبغى إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لى الوسيلة حلت له الشفاعة ».
فالرسول صلى الله عليه وسلم حريص كل الحرص أن يكون هو صاحب المقام المحمود يوم القيامة يوم يقف الناس في ساحة المحشر وقد منحه الله هذا المقام ومع ذلك يطلب دعاء أمته له ويجعل جزاء الداعي منهم الشفاعة يوم القيامة .
سابعاً: الإمارة :
روى مقاتل عن يحيى بن أبي كثير أنّ عمر بن الخطاب عرض على أبي هريرة الإمارة فقال : لا أفعل ولا أريدها سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول : ( من طلب الإمارة لم يعدل ) فقال عمر : لقد طلب الإمارة من هو خير منك ، يوسف ( عليه السلام ) ، قال : اجعلني على خزائن الأرض .
روى البخاري برقم (4380 ) عن حذيفة قال جاء العاقب والسيد صاحبا نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدان أن يلاعناه قال فقال : أحدهما لصاحبه لا تفعل فوالله لئن كان نبياً فلاعنا لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا قالا إنا نعطيك ما سألتنا وابعث معنا رجلاً أميناً ولا تبعث معنا إلا أميناً فقال : لأبعثن معكم رجلاً أميناً حق أمين فاستشرف له أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : قم يا أبا عبيدة بن الجراح فلما قام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا أمين هذه الأمة .
ثامناً: التنافس في الزواج :
فقد تنافس صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بينهم من الزواج من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ففاز علي بالزواج منها رضي الله عنهما : روى ابن سعد في الطبقات الكبرى ، 8/19: عن علباء ابن أحمر اليشكري أن أبا بكر خطب فاطمة إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أبا بكر انتظر بها القضاء. فذكر ذلك أبو بكر لعمر، فقال له عمر: ردك يا أبا بكر. ثم إن أبا بكر قال لعمر: أخطب فاطمة إلى النبي، صلى الله عليه وسلم. فخطبها فقال له مثل ما قال لأبي بكر: انتظر بها القضاء، فجاء عمر إلى أبي بكر فأخبره، فقال له: ردك يا عمر. ثم إن أهل علي قالوا لعلي: اخطب فاطمة إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم. فقال: بعد أبي بكر وعمر؟ فذكروا له قرابته من النبي، صلى الله عليه وسلم، فخطبها فزوجه النبي، صلى الله عليه وسلم، فباع علي بعيرا له وبعض متاعه فبلغ أربعمائة وثمانين. فقال له النبي، صلى الله عليه وسلم: سأجعل ثلثين في الطيب وثلثا في المتاع.
تاسعاً : النفس التواقة :
كان الصحابة رضي الله عنهم لاتلوح منقبة أخروية ، ولا فضيلة دينية إلا صعدوا إليها ، واستشرفوا لها ، وتنافسوا فيها ، روى مسلم ( 1122) عن ربيعة بن كعب الأسلمى قال كنت أبيت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأتيته بوضوئه وحاجته فقال لى « سل ». فقلت أسألك مرافقتك فى الجنة. قال « أو غير ذلك ». قلت هو ذاك. قال « فأعنى على نفسك بكثرة السجود ».
روى البخاري برقم (2790) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة أراه فوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة قال محمد بن فليح عن أبيه وفوقه عرش الرحمن .
وهذا مثل للنفس التواقة إلى السمو والرفعة فتى نشأ في قصور الملك والنعيم يحمل لقب أمير وبين يديه بل ملء يديه من مناعم الحياة ومباهج الأيام أكثر مما يشاء ماكان يتوقع منه في طفولته على الأقل أن تحمله أشواق الطفولة ورغباتها إلى دنيا اللهو والمرح والانطلاق فما باله ينأى عن ذلك كله وينزع بكل فؤاده إلى آفاق الرجال بل حكماء الرجال قال لأبيه يوماً دعني اذهب إلى المدينة فاجلس إلى فقهائها وأتأدب بآدابهم وكان دائماً ما يداعب أمه بهذه الكلمات تعرفين ياأماه لأكونن مثل خالي عبدالله بن عمر ، إنها روح كبيرة أكبر عشرات المرات من جسم صاحبها الغض ومن سنه الناشئة .
يقول رحمه الله : إن لي نفساً تواقة لاتنال شيئاً إلا تاقت إلى ماهو أفضل منه ـ تاقت للإمارة فنلتها وتاقت أن تتزوج بنت الخليفة فتزوجتها وتاقت للخلافة فنلتها وتاقت للجنة ... ونسأل الله تعالى أن يرزقه الجنة .
يظن كثيراً من المسلمين أن المسلم الملتزم العابد يجب عليه أن لا يجمع المال ولا يبحث عن الولد أو عن الجاه أو عن الملك أو عن المنصب ، ويطنون أن المسلم يجب أن يكون فقيراً يلبس الملابس الرديئة ولا يأكل الطيب من الطعام ولا يستلذ بالحياة فإذا رأوه يعيش كما يعيش الناس انتقدوه ورموه وعابوه ويجب عليه أن يزهد في الدنيا كل الزهد ماهذا الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم تعالوا معي إلى كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم كي نتعرف على الإسلام وعلى مايصح للمسلم من طموح :
أولا : الملك :
فلنا في قصة داود وسليمان عليهما السلام لعبرة :
داود والملك :
َ يادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26) [ص :26]
روى مسلم رقم (4879 ) عن أبى حازم قال قاعدت أبا هريرة خمس سنين فسمعته يحدث عن النبى صلى الله عليه وسلم قال « كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبى خلفه نبى وإنه لا نبى بعدى وستكون خلفاء فتكثر ». قالوا فما تأمرنا قال : « فوا ببيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم ».
سليمان والملك :
وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ [ النمل : 16] وورث الملك العظيم وورث النبوة ولكن رغم هذا الملك ورغم النبوة العظيمة تطلعت نفسه الى سيء له خاصة وطموح مشروع قال : رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) [ سورة ص : 35 ] فالله سبحانه وتعالى لم يعاتبه على تطلعه هذا وقال له : قف عند ماقسم الله لك ، بل استجاب الله ، واتاه مالم يأتي أحداً قبله وبعده ، قال تعالى : فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (40)[ سورة ص : 36-39 ] .
ثانياً : الرئاسة الدنيوية :
هذا وقد سأل الولاية بعض الأنبياء المصطفين عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام حينما رأوا أنهم أكفأ من يقوم بها ، ولخطورة ما يترتب عليها لو وضعت في يد غير أمينة ، فهذا يوسف عليه السلام عندما خرج من السجن وأنعم الله عليه من الحرية لم يقف عند هذا إنما تطلعت نفسه إلى الملك ولم يقنع بما قسم الله له ذلك فنراه : قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) [يوسف:55] . قال القاسمي في تفسيره : أي : ولني خزائن أرضك . يعني جميع الغلات لما يستقبلونه من السنين التي أخبرهم بشأنها ، فيتصرف لهم على الوجه الأرشد والأصلح ، ثم بين اقتداره في ذلك فقال : إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ أي : أمين أحفظ ما تستحفظنيه ، عالم بوجوه التصرف فيه .
قال الزمخشري : وصف نفسه بالأمانة والكفاية اللتين هم طلبة الملوك ممن يولونه .
وإنما قال ذلك ليتوصل إلى إمضاء أحكام الله تعالى ، وإقامة الحق ، وبسط العدل . والتمكن مما لأجله تبعث الأنبياء إلى العباد ، ولعلمه أن أحداً غيره لا يقوم مقامه في ذلك ، فطلب التولية ابتغاء وجه الله ، لا لحب الملك والدنيا .
فححق الله له ماراد من تمكين وسلطان في الأرض فنرى الله سبحانه وتعالى يخبر عن يوسف عليه السلام وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56) [يوسف:56].
فقال يوسف عليه السلام بعد أن آل الأمر إليه : رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101 [ يوسف : 101]. فيوسف عليه السلام قال ( من الملك ) ولم يقل الملك لأنه كان الوزير وليس الملك .
ثالثاً الذرية :
ورد في الكتاب الكريم والسنة المطهرة ، من التحبب في طلب الذرية الصالحة ، والحث على التكاثر في النسل ، بما يحقق الغرض الأسمى من الزواج ، والمتمثل في استمرار النوع البشري ، وإنجاب الذرية ، ودوام عمارة الإنسان للأرض ، التي هي من الغايات الأساسية التي خلقه الله من أجلها ، قال تعالى : الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا الكهف / 46، وقال تعالى : زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ [ آل عمران / 14 ].
وحكى سبحانه على لسان زكريا عليه السلام أنه كان يتوجه إلى ربه بهذا الدعاء : رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (3) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (4) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا [ مريم / 4 - 6 ]، وقال تعالى على لسان إبراهيم : رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ [إبراهيم / 40] ، وذكر أن طلب الذرية الصالحة من أمنيات المؤمنين ، بل هو صفة من صفاتهم . وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [الفرقان / 74].
وحتى الملائكة ، إذا أرادت الاستغفار للمؤمن ، استغفرت له ولزوجه ولأولاده ، وهذا فضل من أفضال الله على عباده المؤمنين : الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ، رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ [غافر / 7 - 8 ].
فقد بينت الآيات الكريمات أن البنين من متع الحياة الدنيا وزينتها ، وأن طلب النسل من الأمور التي حببها الله إلى خلقه ، وطبعهم على ابتغائه ، وجعله جبلة فطرية فيهم ، كما وجعله أمنية أجراها على لسان رسله وأنبيائه ، وبغية للمؤمنين يحرصون على إدامة الدعاء في طلبها .
وفي السنة المطهرة : عن معقل بن يسار قال : « جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : إني أصبت امرأة ذات حسب وجمال ، وإنها لا تلد ، أفأتزوجها ؟ قال : لا ، ثم أتاه الثانية ، فنهاه ، ثم أتاه الثالثة ، فقال : تزوجوا الودود الولود ، فإني مكاثر بكم الأمم رواه مسلم برقم ( 1395 )
رابعاً : الإمامة في الدين :
إن الرياسة الدنيوية مما يجب أن تطلب ويرغب فيها لا للفخر ولكن لعظم نفع الناس بها ولتحصيل أجرها قال الشافعي رحمه الله تعالى : ( بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين ) .
قال تعالى :الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) [الفرقان : 74] ،قال القفال وغيره من المفسرين : إن في الآية دليل على أن طلب الرياسة في الدين واجب ، و يقول سيد قطب في تفسيره الظلال : (وهذا هو الشعور الفطري الإيماني العميق : شعور الرغبة في مضاعفة السالكين في الدرب إلى الله . وفي أولهم الذرية والأزواج ، فهم أقرب الناس تبعة وهم أول أمانة يسأل عنها الرجال . والرغبة كذلك في أن يحس المؤمن أنه قدوة للخير ، يأتم به الراغبون في الله . وليس في هذا من أثرة ولا استعلاء فالركب كله في الطريق إلى الله .
فذكرهم الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم مادحاً لهم رغم تطلعهم للرئاسة الدينية فهم يريدون أن يكونوا قدوة للأمة ومن حملة مشعل الهداية إليها ).
وقوله: وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا أي هداة مهتدين دعاة إلى الخير، فأحبوا أن تكون عبادتهم متصلة بعبادة أولادهم وذرياتهم، وأن يكون هداهم متعديًا إلى غيرهم بالنفع، وذلك أكثر ثوابًا وأحسن مآبا.
ولهذا ثبت في «صحيح مسلم» عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: ولد صالح يدعو له، أو علم ينتفع به من بعده، أو صدقة جارية».
وقيل: أئمة يقتدى بنا في الخير، وإقامة مراسيم الدين بإفاضة العلم والتوفيق للعلم، وهذه الدرجة العالية التي سألوها هي درجة الصديقين والكُمَّلِ مِن عِباد الله الصالحين وهي درجة الإمامة في الدين وأن يكونوا قدوة للمتقين في أقوالهم وأفعالهم، يقتدى بأفعالهم ويطمئن لأقوالهم.
وليس هذا فحسب بل يريدون أن تمتد هذه الإمامة إلى أبنائهم فهذا نبي الله إبراهيم عليه السلام رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40) [ إبراهيم: 40].وقال تعالى : وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124) [البقرة : 124] يقول سيد قطب : إماماً يتخذونه قدوة ، ويقودهم إلى الله ، ويقدمهم إلى الخير ، ويكونون له تبعاً ، وتكون له فيهم قيادة .عندئذ تدرك إبراهيم فطرة البشر : الرغبة في الامتداد عن طريق الذراري والأحفاد . ذلك الشعور الفطري العميق ، الذي أودعه الله فطرة البشر لتنمو الحياة وتمضي في طريقها المرسوم ، ويكمل اللاحق ما بدأه السابق ، وتتعاون الأجيال كلها وتتساوق . . ذلك الشعور الذي يحاول بعضهم تحطيمه أو تعويقه وتكبيله؛ وهو مركوز في أصل الفطرة لتحقيق تلك الغاية البعيدة المدى . وعلى أساسه يقرر الإسلام شريعة الميراث ، تلبية لتلك الفطرة ، وتنشيطاً لها لتعمل ، ولتبذل أقصى ما في طوقها من جهد . وما المحاولات التي تبذل لتحطيم هذه القاعدة إلا محاولة لتحطيم الفطرة البشرية في أساسها؛ وإلا تكلف وقصر نظر واعتساف في معالجة بعض عيوب الأوضاع الاجتماعية المنحرفة . وكل علاج يصادم الفطرة لا يفلح ولا يصلح ولا يبقى . وهناك غيره من العلاج الذي يصلح الانحراف ولا يحطم الفطرة ).
ولما جعل الله إبراهيم إماماً ، فسأل الله أن تكون الإمامة من بعده في ذريته فأجيب إلى ذلك والدليل على انه أجيب إلى طلبه قوله تعالى وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (27) [العنكبوت : 7] . فكل نبي ارسله الله تعالى وكل كتاب انزله الله تعالى بعد دعوة إبراهيم كان في ذريته صلوات الله وسلامه عليه.
وقد أوضح ابن القيم رحمه الله تعالى ذلك فقال : " الفرق بين حب الرياسة ، وحب الإمارة للدعوة إلى الله ، هو الفرق بين تعظيم أمر الله والنصح له ، وتعظيم النفس والسعي في حظها ، فإن الناصح لله المعظم له المحبّ له يحبُّ أن يُطاع ربُّه فلا يُعصى ، وأن تكون كلمة الله هي العليا ، وأن يكون الدين كله لله ، وأن يكون العباد ممتثلين أوامره مجتنبين نواهيه ، فقد ناصح الله في عبوديته ، وناصح خلقه في الدعوة إلى الله ، فهو يحبُّ الإمامة في الدين ، بل يسأل ربه أن يجعله للمتقين إماماً يقتدي به المتقون ، كما اقتدى هو بالمتقين ، فإذا أحب هذا العبد الداعي إلى الله أن يكون في أعينهم جليلاً وفي قلوبهم مهيباً وإليهم حبيباً ؛ لكي يأتموا به ويقتفوا أثر الرسول علي يده ، لم يضره ذلك بل يحمد عليه ؛ لأنه داعٍ إلى الله يحبُّ أن يطاع ويعبد ويوحّد ، وهذا بخلاف طلب الرياسة ، فإن طلابها يسعون تحصيلها لينالوا أغراضهم من العلو في الأرض ، وتعبد القلوب لهم ، وميلهم إليهم ، ومساعدتهم لهم على جميع أغراضهم مع كونهم عالين عليهم قاهرين لهم ، فترتب على هذا المطلب من المفاسد ما لا يعلمه إلا الله ، من البَغْي والحسد والطغيان والحقد والظلم ولفتنة .... إلى آخر ما قاله رحمه الله " [ ينظر: الروح ص 432- 433 ]
خامساً: المال :
طلب المال في الإسلام ليس بمحرم سواء كان هذا الطلب عن طريق الدعاء أو عن طريق الكسب اليومي ولكن على الفرد المسلم أن يؤدي حقه :
وفي البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو على المنبر، وذكر الصدقة والتعفف عن المسألة: "اليد العليا خير من اليد السفلى، والعليا هي المنفقة والسفلى هي السائلة".وفي البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحدا فيعطيه أو يمنعه". وفي البخاري عن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أكل أحد طعاما خيرا له من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده". وفي البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بينما أيوب يغتسل عريانا، خر عليه رجل جراد من ذهب، فجعل يحثي في ثوبه فناداه ربه: يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى؟ قال: بلى يا رب، ولكن لا غنى لي عن بركتك". وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "نعم المال الصالح للرجل الصالح".
فالزهد لا ينافى أن يكون الإنسان عظيم الثروة وافر المال مع معرفته بحق الله عليه ، وحق الفقراء وغيرهم فى ماله ، لقد كان أبو بكر رضى الله عنه من كبار الأغنياء ، وأنفق أكثر أمواله فى سبيل الدعوة ، وفيه قال النبى صلى الله عليه وسلم كما رواه الترمذى "ما نفعنى مال أحد ما نفعنى مال أبى بكر" .
وعثمان بن عفان رضى الله عنه جهز غزوة العسرة"تبوك " من ماله ، وسر النبى صلى الله عليه وسلم بما قدمه وقال : "ما ضر عثمان ما يفعل بعد هذا اليوم ، غفر الله لك يا عثمان ما أسررت وما أعلنت وما هو كائن إلى يوم القيامة " .
وتبرع عثمان رضي الله عنه أيضاً بتجارته للفقراء عام القحط ولم يستجب لإغراء التجار له بالربح الوفير، وعبد الرحمن بن عوف رضى اللّه عنه أنفق كثيراً وقال له النبى صلى الله عليه وسلم : "بارك الله لك فيما أعطيت وفيما أمسكت " إلى غير ذلك من النماذج الغنية التى لم يقل الرسول عنها إنها غير زاهدة فى الدنيا ، بل أثنى عليها خيراً .
وكان الصحابة يحرصون على دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم بكثرة المال مع البركة والولد مع البركة ، روى البخاري ( 6344) عن أنس رضي الله عنه دخل النبي صلى الله عليه وسلم على أم سليم فأتته بتمر وسمن قال أعيدوا سمنكم في سقائه وتمركم في وعائه فإني صائم ثم قام إلى ناحية من البيت فصلى غير المكتوبة فدعا لأم سليم وأهل بيتها فقالت أم سليم يا رسول الله إن لي خويصة قال ما هي قالت خادمك أنس فما ترك خير آخرة ولا دنيا إلا دعا لي به قال اللهم ارزقه مالاً وولدا وبارك له فيه فإني لمن أكثر الأنصار مالاً.
عن أبي خيثمة قلت يا رسول الله أكتب لي أرض كذا وكذا لم يكن ظهر عليها حينئذ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ألا تسمعون إلى ما يقول هذا قال أبو ثعلبة والذي نفسي بيده لتظهرن عليها يا رسول الله قال فكتب له بها.
أنظر إلى الثقة بوعد الله عزوجل بنصر نبيه ومع ذلك لم يقل له الرسول صلى الله عليه وسلم ماهذا الطمع ياأبا ثعلبة هذه الأرض لم يدخلها الإسلام ولم تفتح بعد وهي في غير بلاد المسلمين أنت في مكة وهي في الشام بل وهبه الرسول صلى الله عليه وسلم تلك الأرض .
سادساً: المقام المحمود :
أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79) وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (80) وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81) [الإسراء: 78-81] .
روى مسلم ( 875) عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم يقول « إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا على فإنه من صلى على صلاة صلى الله عليه بها عشراً ثم سلوا الله لى الوسيلة فإنها منزلة فى الجنة لا تنبغى إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لى الوسيلة حلت له الشفاعة ».
فالرسول صلى الله عليه وسلم حريص كل الحرص أن يكون هو صاحب المقام المحمود يوم القيامة يوم يقف الناس في ساحة المحشر وقد منحه الله هذا المقام ومع ذلك يطلب دعاء أمته له ويجعل جزاء الداعي منهم الشفاعة يوم القيامة .
سابعاً: الإمارة :
روى مقاتل عن يحيى بن أبي كثير أنّ عمر بن الخطاب عرض على أبي هريرة الإمارة فقال : لا أفعل ولا أريدها سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول : ( من طلب الإمارة لم يعدل ) فقال عمر : لقد طلب الإمارة من هو خير منك ، يوسف ( عليه السلام ) ، قال : اجعلني على خزائن الأرض .
روى البخاري برقم (4380 ) عن حذيفة قال جاء العاقب والسيد صاحبا نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدان أن يلاعناه قال فقال : أحدهما لصاحبه لا تفعل فوالله لئن كان نبياً فلاعنا لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا قالا إنا نعطيك ما سألتنا وابعث معنا رجلاً أميناً ولا تبعث معنا إلا أميناً فقال : لأبعثن معكم رجلاً أميناً حق أمين فاستشرف له أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : قم يا أبا عبيدة بن الجراح فلما قام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا أمين هذه الأمة .
ثامناً: التنافس في الزواج :
فقد تنافس صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بينهم من الزواج من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ففاز علي بالزواج منها رضي الله عنهما : روى ابن سعد في الطبقات الكبرى ، 8/19: عن علباء ابن أحمر اليشكري أن أبا بكر خطب فاطمة إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أبا بكر انتظر بها القضاء. فذكر ذلك أبو بكر لعمر، فقال له عمر: ردك يا أبا بكر. ثم إن أبا بكر قال لعمر: أخطب فاطمة إلى النبي، صلى الله عليه وسلم. فخطبها فقال له مثل ما قال لأبي بكر: انتظر بها القضاء، فجاء عمر إلى أبي بكر فأخبره، فقال له: ردك يا عمر. ثم إن أهل علي قالوا لعلي: اخطب فاطمة إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم. فقال: بعد أبي بكر وعمر؟ فذكروا له قرابته من النبي، صلى الله عليه وسلم، فخطبها فزوجه النبي، صلى الله عليه وسلم، فباع علي بعيرا له وبعض متاعه فبلغ أربعمائة وثمانين. فقال له النبي، صلى الله عليه وسلم: سأجعل ثلثين في الطيب وثلثا في المتاع.
تاسعاً : النفس التواقة :
كان الصحابة رضي الله عنهم لاتلوح منقبة أخروية ، ولا فضيلة دينية إلا صعدوا إليها ، واستشرفوا لها ، وتنافسوا فيها ، روى مسلم ( 1122) عن ربيعة بن كعب الأسلمى قال كنت أبيت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأتيته بوضوئه وحاجته فقال لى « سل ». فقلت أسألك مرافقتك فى الجنة. قال « أو غير ذلك ». قلت هو ذاك. قال « فأعنى على نفسك بكثرة السجود ».
روى البخاري برقم (2790) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة أراه فوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة قال محمد بن فليح عن أبيه وفوقه عرش الرحمن .
وهذا مثل للنفس التواقة إلى السمو والرفعة فتى نشأ في قصور الملك والنعيم يحمل لقب أمير وبين يديه بل ملء يديه من مناعم الحياة ومباهج الأيام أكثر مما يشاء ماكان يتوقع منه في طفولته على الأقل أن تحمله أشواق الطفولة ورغباتها إلى دنيا اللهو والمرح والانطلاق فما باله ينأى عن ذلك كله وينزع بكل فؤاده إلى آفاق الرجال بل حكماء الرجال قال لأبيه يوماً دعني اذهب إلى المدينة فاجلس إلى فقهائها وأتأدب بآدابهم وكان دائماً ما يداعب أمه بهذه الكلمات تعرفين ياأماه لأكونن مثل خالي عبدالله بن عمر ، إنها روح كبيرة أكبر عشرات المرات من جسم صاحبها الغض ومن سنه الناشئة .
يقول رحمه الله : إن لي نفساً تواقة لاتنال شيئاً إلا تاقت إلى ماهو أفضل منه ـ تاقت للإمارة فنلتها وتاقت أن تتزوج بنت الخليفة فتزوجتها وتاقت للخلافة فنلتها وتاقت للجنة ... ونسأل الله تعالى أن يرزقه الجنة .